|
انت في "مقـالات" |
استيقظ سكان أحد الأحياء في مدينة جدة على صوت البلدوزر وهو يتحرك في حيهم، وعندما أطلت العيون من النوافذ اكتشفوا أن هناك من يحاول حمل ماكينة الصرافة من مكانها. وحسب جريدة (عرب نيوز) تبين أن من حاول حمل الماكينة كان مواطناً سعودياً، تخفى في زي عامل اجنبي! ليطرح السؤال مرة أخرى عن تنامي السرقات في شوارعنا، وعن لجوء اللصوص إلى حيل جديدة للسطو على أي شيء. فقد تنامت سرقة المنازل والسيارات ومحطات البنزين وماكينات الصرافة. والمؤسف أن جل اللصوص الآن من الشباب صغار السن. وقد شهدت حارتي الصغيرة ثلاث محاولات لصوصية، فقد دخل اللصوص على مدى يومين منزلين متجاورين، كان من الواضح أنهما لم يستطيعا إتمام سرقتهما، أما الثالثة فهي سيارة وجدت في حالة تشغيل وعندما تم الاتصال بالمرور اكتشفنا انها سرقت من صاحبها، ومن سرقها قضى وطره منها ثم تركها وهرب، ربما ليبحث عن غيرها!لا أقصد من وراء سرد هذه الوقائع المحدودة إثارة جو من الرعب أو القلق في نفوس الناس، ولكنني أقصد الإشارة إلى تنوع الأهداف والوسائل التي يلجأ إليها اللصوص في تنفيذ سرقاتهم، وإلى جرائتهم التي جعلتهم يقتحمون المنازل نهاراً وليس في سواد الليل، وإلى وجود تخطيط محكم لتنفيذ عملياتهم. ففي حالة سرقة المنازل قال لي شاهد واقعة اقتحام المنزلين، انه شاهد وهو يدخل منزله شخصين عند الباب، وعندما سألهما عن الغرض من وقوفهما في ذلك الوقت قالا إنهما بانتظار صديق لهما في المنزل المقابل، وهكذا تركهما الصديق وذهب لشأنه، ليكتشف أنهما كانا واقفين لتغطية زملائهما الذين كانوا يتجولون بداخل المنزل. هذه الجرأة لم تكن موجودة سابقاً، كانت السرقات محدودة وبسيطة وتتم على عجل وبكثير من الرعب من اللص ومن حوله!هذه الوقائع التي بدأت تنشرها صحفنا، من المؤكد أنها ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، ولكنها موجودة، لكن صحفنا لم تكن تعرها التفاتاً، وإذا نشرت فإنها تنشر في الزوايا وعلى استحياء شديد، وكأننا من جنس الملائكة وليس من المفروض أن يكون فينا امرؤ لص أو شرير مثل سائر الخلق في أرض الله الواسعة، حيث تبث وسائل الإعلام على مدار الساعة فيضاً من الحوادث المتفاوتة الدرجات والتي تبلغ حداً من التنوع يصعب حصره، وكان المفروض أن لا تهمل صحفنا ووسائل إعلامنا منذ البداية مثل هذه الأمور، بل كان من المفروض أن تكون في كل صحيفة، صفحة أو حيز للحوادث اليومية، فنشر مثل هذه الحوادث هو الطريق الأمثل لمعالجة ما ينبثق عنها من خسائر مادية وبشرية، وفي نشرها اتاحة فرصة أوسع لعلماء النفس والاجتماع والجريمة، للتحليل وايجاد الحلول، فهذه السلوكيات مثل الدمامل إذا غاب عنها مبضع الجراح، تنامت حتى تكون سبباً في استشراء السموم في الجسد، وهو ما لا نريده لمجتمعنا الذي حباه الله بروابط اجتماعية متماسكة تجعل من النادر وجود سرقات أو اعتداء على منازل أو مال عام، لكننا الآن دخلنا وسط هذا العالم واختلطت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا بتقاليده، وأصابه ما أصاب غيره من انحرافات لعدة أسباب أبرزها تنامي السفر إلى الخارج ولمدد قد تطول وقد تقصر، ثورة الاتصالات، الصحف والستالايت، يضاف عليها مشاكل بتنا نشارك دول العالم كله فيها وأبرزها مشكلة القبول في المعاهد والجامعات وقلة فرص العمل، كلها أسباب إذا لم نجدها الآن فإننا سنجدها مستقبلاً، لذلك لابد من تكثيف الاهتمام بمثل هذه السلوكيات ووضع الحلول الناجعة لها، عبر اللقاءات المباشرة والأبحاث والدراسات والمؤتمرات، ويحسن خيراً الحوار الوطني لو وضع مثل هذه الظاهرة ضمن أجندته: ظاهرة السرقات، أسبابها، وطرق معالجتها، فهي افراز لمشاكل متعددة وليست ظاهرة أو عادة، فتحنا أعيننا فوجدناها بيننا.. والله من وراء القصد. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [خدمة الإنترنت] [الجزيرة] |