Wednesday 18th August,2004 11647العدد الاربعاء 2 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

تجار الحروب والديموقراطية المزعومة تجار الحروب والديموقراطية المزعومة
أ. د. عبدالرحمن الطريري

عرفت البشرية السطو المسلح وقطع الطريق منذ وجدت على الأرض وذلك لعدة أهداف وأسباب تتنوع حسب الوقت والوضع والحالة التي تمارس فيها مثل هذه الممارسات وقد عني علماء النفس والاجتماع في دراسة هذه الظاهرة نظراً لما تمثله من خطر على الأفراد والمجتمعات في معيشتها وأمنها واستقرارها وتركز الدراسات الاجتماعية والنفسية على معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك المرفوض اجتماعياً ودينياً وقد تبين للباحثين أن أسباب السطو والسرقة في الغالب تحركها عوامل الفقر والحاجة الاقتصادية إلا انه في ظروف أخرى قد يكون الانتقام من الآخر هو السبب وراء هذه الممارسة. وإذا كان السطو المسلح يفسر على المستوى الفردي بالسبب الاقتصادي أو برغبة الانتقام فكيف يمكن تفسير السطو الذي تمارسه الدول مع دول أخرى؟!!.
لقد توقفت عند غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق متأملاً ومفكراً بعمق في الأسباب التي دعت الولايات المتحدة الأمريكية لتجلب أساطيلها وطائراتها وكافة ترسانتها العسكرية لتغزو بلداً آمناً ومطمئناً يعيش أهله داخل حدودهم بمشاكلهم مهما تنوعت وتعددت مصادرها سواء كانت ثقافية أو سلطوية أو اقتصادية أو اجتماعية. الأسباب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية معللة غزوها للعراق متنوعة ومتناقضة ففي البداية كان السبب تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل التي يعتقد أن العراق يمتلكها وبتواطؤ من لجان التفتيش وتقارير غامضة متناقضة روجت أمريكا لهذا الامر وأصبح الأمر لدى حامية العالم والحريصة على مصالحه القيمة على أمنه واستقراره لا يطاق ولا يحتمل لأن وجود هذه الأسلحة في بلد كالعراق من شأنه أن يهدد العالم ومعه أمريكا ولذا لابد من إعادة العراق إلى جادة الصواب حماية للعالم من شروره، والغريب أن العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص يقبل مثل هذا الطرح ولم يكلف نفسه أن يسأل وماذا عن ترسانة الأسلحة الفتاكة المدمرة التي في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية والتي لا يضاهيها ترسانة أخرى في العالم، خاصة وأن أمريكا من ذوي السوابق، فهل العرب والمسلمون يجهلون هذه الحقيقة أم أنهم لا يجرأون على طرح هذا السؤال ومواجهة أمريكا والعالم خاصة أنهم مستهدفون بحروب الكاوبوي ومغامراته الحربية. لقد دخلت أمريكا العراق ودمرته وحلت جيشه وقضت على بنيته التحتية واقتصاده وقتلت وشردت وأعاقت الكثيرين من أبنائه ونالت من كرامتهم في ثقافتهم وعقيدتهم وقيمهم وسعت لإيجاد ما يدعم ادعاء أسلحة الدمار الشامل العراقية ومع ذلك ما تزال المكابرة بصحة القرار الامريكي في شن الحرب رغم فشلها في الحصول على الدليل.
ويستمر مسلسل الاستخفاف الأمريكي في العالم ومنظوماته الدولية حيث تغير السبب وتحول إلى أن يكون التخلص من دكتاتور العراق الذي كان يهدد العالم بدءاً بجيرانه ووصولاً لأمريكا التي لن يهنأ شعبها بالأمن والطمأنينة إلا بالقبض على صدام حسين والقضاء على نظامه، أما وقد تحقق هذا الهدف وأصبح الرئيس في المعتقل وانهار نظامه فلم يعد مستساغاً الاستمرار في هذا السبب إلا وقت الانتخابات الأمريكية من أجل المزايدة على المرشح الديمقراطي حيث إن إزالة نظام بعد غزو البلد تعتبر إنجازاً يحسب للحكومة والرئيس الجمهوري الذي يسعى لانتخابه مرة ثانية ولو على حساب بلد آخر في كافة إمكانياته المادية وحياة أبنائه.
قائمة المبررات لشن الحرب لا تتوقف وعلى حسب الظروف يتم تقديم واحد والترويج له من خلال وسائل الإعلام وإبقاء الأسباب والمبررات الأخرى لحين الحاجة إليها، ولذا فإنه وبعد أن أطيح بالنظام وقبض على رئيسه وتغيرت الاوضاع على الساحة العراقية وبصورة لم يكن يتوقعها المحتل، لم يعد من المناسب الاستمرار في تكرار سبب دكتاتورية النظام لأن الناس يشاهدون من القتل وسفك الدماء ودمار البلد ما لم يشاهدوه في وقت النظام المنهار، وقد تفتق العقل الأمريكي عن سبب جديد سبق التمهيد له أثناء التحضير للحرب ألا وهو العلاقة بالقاعدة حيث تقول القصة إن ضابطاً عراقياً سبق والتقى ببعض عناصر القاعدة في أوروبا كما تقول القصص المختلقة إن العراق عرض على بعض رموز القاعدة استضافتهم في العراق، وهكذا يستمر العالم في متابعة الولايات المتحدة في أطروحاتها ومبرراتها لتنتهي في الوقت الراهن بمحاربة الإرهاب القادم من خارج العراق الذي بعثت به القاعدة من أفغانستان ممثلاً بالزرقاوي المرتبط بالقاعدة.
وحيث إن العراق أصبح أكثر ديموقراطية وحرية حيث القتل والنهب وتدمير المنازل على رؤوس سكانها والمساجد على المصلين، لذا فإن الحرية التي جاءت بها أمريكا من آلاف الأميال وحركت من أجلها الأساطيل وقذفت الطائرات بحممها على رؤوس الأبرياء، هذه الحرية لا يمكن التفريط بها أو تركها للإرهابيين ولابد من حمايتها مهما كلف الأمر العراقيين، بالطبع، الحرية تستحق أن تدك الطائرات من أجلها الفلوجة والموصل وسامراء وكربلاء ومدينة النجف. لقد استمتع العراقيون بنسمات الحرية حيث صورت شاشات التلفزيون العراقيين وهم يرقصون مع الجندي المحتل في رأس السنة كما أن البرتقالة أصبحت تتماهى مطربة العراقيين بعد أن حرموا من الرقص والطرب وها هي أمريكا تعيد للمقامات العراقية مكانتها بعد أن فقدتها في عهد الرئيس السابق. حقاً انه زمن عجيب حين تكون الحروب موسماً للتكسب وميداناً للمنافسة السياسية للوصول إلى البيت الأبيض، أو لم يقل المثل (مصائب قوم عند قوم فوائد). ها هي أمريكا بحسها الرأسمالي البراجماتي تحصد البشر لتحقق الرفاه لأصحاب الشركات، ومع هذا كله التمجيد والثناء والإشادة بالعلاقات المتميزة مع الغول الأمريكي هي اللغة التي تتكرر على ألسنة السياسيين العرب وغيرهم.ذاكرة العالم يبدو أنها مصابة بالشلل إذ إنها لا تتذكر مآسي نجازاكي وهيروشيما وفيتنام كما انها لا تتذكر الإبادة الجماعية التي ارتكبها الامريكيون في حق الهنود الحمر حيث لم يبق منهم إلا مئات الآلاف بعد أن كانوا ما يقارب العشرين مليونا كما أن الأبصار لا ترى طائرات الأباتشي الأمريكية وهي تقصف سكان فلسطين في كافة المدن، العالم ينسى أو يتناسى الأموال المتدفقة على الكيان الصهيوني لبناء المغتصبات وتدمير حياة الفلسطينيين، كما يتناسى تدمير أفغانستان، وكأني بالعالم عاجز أو راض عن هذه الممارسات ولا تعنيه شيئاً. تأملت في هذا العصر فوجدت فيه أشياء جميلة وأجمل ما فيه هو التقنية التي جزء كبير منها صناعة أمريكية هذه التقنية جميلة لانها تسجيل بالصوت والصورة المجرم وهو يرتكب جريمته، التقنية الحديثة تصور حراس وحارسات سجن أبو غريب وهم يعذبون ويتلذذون في تعذيب المعتقلين وإهانتهم وإذلالهم وهذا ما ذكره المسؤولون الأمريكيون إذ إن الأمر لا يعدو أن يكون تسلية، تباً لهؤلاء القوم التسلية تتحقق من خلال إهانة الآخر في عقيدته وقيمه وكرامته ولا ندري هل هذا العمل خرق لحقوق الإنسان التي ما فتئت الولايات المتحدة تتشدق بها وبحمايتها وتصدر تقريرها السنوي ترتب فيه دول العالم حسب احترامها وخرقها لحقوق الإنسان فأين سيكون موقع أمريكا في هذه القائمة؟!! التقنية جميلة لا لأنها تؤذي مشاعر البشر الحقيقيين فيما يرونه من ممارسات لا أخلاقية ولا إنسانية بل لأنها تؤكد وقوع الجريمة ولا يمكن للمجرم أن يتنصل منها أو ينفي ممارسته لها. إن التاريخ قد دون في أسفاره ممارسات الأفراد والأمم السالفة لكنه في هذا الوقت يدونها صوتاً وصورة وتفاصيل حية يعيشها من يشاهدها في المستقبل من الأجيال. التقنية الحديثة ستكشف زيف الادعاءات والفرق بين الأمم في مبادئها وممارساتها، فهل يدرك مستخدمو التقنية للإبادة وإجراء التجارب على البشر أن تقنيتهم تمثل الشاهد والدليل على جشعهم ولا إنسانيتهم واستباحتهم لكرامة الإنسان وعدائهم له؟!!! أخشى أنهم في نشوة القوة لا يفعلون ذلك!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [خدمة الإنترنت] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved