استأثر الوضع في النجف على جلّ مداولات المؤتمر الوطني العراقي، الذي كان يفترض أن يرسي أسس البناء السياسي المستقبلي وفقاً لنهج ديموقراطي، غير أن الوضع بالنجف لم يكن يحتمل التأجيل وخصوصاً أن اليوم الأول في المؤتمر تزامن مع تصعيد شديد وتوقعات بما هو أفدح على صعيد الاشتباكات إلى الدرجة التي تم فيها الطلب من الصحفيين مغادرة النجف.
غير أن القليل فقط قد تحقق فيما يتصل بهذه التوقعات المتشائمة، ويبدو أن الحرص في داخل قاعة المؤتمر الوطني على النجف قد أثر فعلياً في الأوضاع على الأرض باتجاه التهدئة.
وفي اليوم الثاني للمؤتمر استمر الدفع باتجاه التسوية الكاملة للوضع في النجف وفقاً لاقتراح من ثلاثة بنود، مع أنباء عن تجاوب مقتدى الصدر مع المقترحات أو استعداد للنظر حول التداول بشأنها.
وفي كل الأحوال يبدو أن هناك استعداداً من قبل كل الأطراف للخروج من الأزمة بطريقة سلمية، إلى الدرجة التي بدا معها أن المؤتمر حتى وإن لم ينجز أياً من أهدافه فيكفيه مباشرته بكل هذه الجدية للوضع في النجف.
ولنا أن نتصور لمعرفة الأهمية التي شكلها المؤتمر تجاه النجف، أن هذا المؤتمر لم يعقد أصلاً في هذا الوقت، وعندها سيكون من الصعب استقطاب كل هذه القوى السياسية وتوجيهها نحو التسوية في النجف.
فقد استفاد كامل الوضع المتفجر من الثقل السياسي للمؤتمر لمواجهة وضع في غاية التعقيد.
وعلينا ترقب نتائج هذه المساعي، والى أن تخرج مثل هذه النتائج فإنه ينبغي الحفاظ على الهدوء النسبي الذي يتحقق الآن ومحاولة تكريسه لكي يصبح واقعاً ولو إلى حين تطبيق ملامح الحل المنشود.
فأي تحرك سياسي قادم باتجاه التسوية لا بد له أن ينطلق ويستفيد من مثل هذا الهدوء، فقد استحوذ الوضع في النجف على اهتمام الساحة العراقية بأجمعها، وبدا أن كل نشاط، بما فيه القتالي والسياسي، حتى الانفلاتات الأمنية، باتت كلها رهن بالوضع في تلك المدينة.
وأن الجميع باتوا يراقبون الوضع قبل استئناف أنشطتهم.
وتبقى دروس مهمة، حتى قبل أن تظهر النتائج، وتتمثل بصفة خاصة في أن كل مشاكل العراق هي في حيز الحل والتسوية متى ما جلس العراقيون وصبروا وصابروا على استقصاء سبل الحل، وأحسنوا الاستماع إلى بعضهم البعض.
على أننا هنا لن نستغرق في التفاؤل وخصوصاً أن الأمر لا يتعلق بالعراقيين وحدهم، فهناك القوات الأجنبية التي تمثل دولاً كبرى لها جندتها، وهي حتماً ليست ذات الأجندة العراقية، إلا أن الصف العراقي المتراص المنتظم سيفرض نفسه إذا حافظ على ثباته وتمسك بوحدته.
|