في نهاية دوام آخر يوم من أحد أيام السنة!.. وقف يتأمل قرار إحالته للتقاعد. كان يشرف على مجموعة كبيرة من الموظفين، وكان كل منهم قد اعتاد أن يكيل له عبارات الثناء والاحترام أثناء مدة عمله!!
فكر في نفسه ولنفسه.. هل صحيح أنني أعيش في هذا المحيط الاجتماعي المتعاون؟ هل صحيح أن كل موظف من هؤلاء يكن لي الاحترام والتقدير لشخصي لا لوظيفتي أم لأنني مسؤول عنه وأنه استفاد من تجاربي وخبراتي الطويلة وتعاملي الإنساني معه؟!
وكان يجيب في قرارة نفسه: نعم وألف نعم كل هؤلاء وكثيرون أيضا من اصدقاء ومعارف الوظيفة في كل مكان سيسألون عني سأحس اعتبارا من يوم غد أنني قدمت الكثير مما لدي وتركت الإدارة لدماء إدارية جديدة وشابة.
أعلم أنهم جميعاً سيسألون عني، ماذا أقدم وأفعل؟ هل أضحي براحتي وجلوسي مع أبنائي أم أضحي بمن سيأتون لزيارتي؟ عموما سأحاول أن أعتذر قدر الإمكان عن بعض الزيارات.. أصدقاء العمل حتى لا يؤثر ذلك على اهتمامي بأسرتي وسأحاول أن أؤجل بعض تلك الزيارات بدلا من أن ألغيها.
ذهب في نهاية دوام آخر يوم له إلى منزله وجلس مع نفسه باسترخاء تام.. الله ما أجمل الراحة بعد هذا العناء والجهد الطويل..
مر أول يوم على تقاعده وكان يوما جميلا لم يزره أي صديق عمل أو موظف عاش معه سنوات أكثر مما عاش مع أبنائه!!
قال في قرارة نفسه: إنهم يقدرون حاجتي للراحة لا بأس غدا سيأتون، حضر نفسه لهذه المناسبة واستعد لها بكل ما لذ وطاب.. مر ثاني يوم وثالث ورابع وكان كل يوم يقنع نفسه بأنهم سيأتون والأيام تمضي والمعاناة تزيد وكل من حوله يلاحظون ذلك ويعللون له كل أسباب التأخير!!
مضت ستة اشهر ولم يدق جرس بابه صديق وظيفة أو زميل قديم إلا من صادفهم وصادفوه ولو أنهم قليل عندها قال لنفسه: صديق الوظيفة دائما يذهب مع الوظيفة والصديق الوفي دائما يبقى ويبقى للأبد.
|