* الرياض - ياسر المعارك:
تفاجأ عماد وزوجته باختفاء جثة وليدهما في ظروف غامضة بعد أن أبلغهما المسؤولون في المستشفى الذي ولد به طفلهما بوفاته.
وفي التفاصيل كما روى والد الطفل المكلوم أنهما وبعد طول انتظار منهما أبلغهما الطبيب الذي كانت تراجعه الزوجة بأنها تحمل في أحشائها جنيناً ذكراً، وفرح عماد وزوجته كثيراً كونهما سيرزقان بطفل ذكر بعد 6 بنات كانا قد أنجباهما من قبل. وبعد أن وضعت زوجته الطفل أخبره المسؤولون بالمستشفى بأن الطفل قد توفِّي داخل الرحم.
ويواصل عماد قائلاً: عندها سلمت أنا وزوجتي بقضاء الله وقدره، وذهبت إلى مركز شرطة العليا لاستخراج ورقة استلام الجثة، وكان ذلك في صباح يوم الأحد الموافق 15-4-1424هـ عند الساعة 10 صباحاً. وعند عودتي إلى المستشفى فوجئت بأن المسؤولين بالمستشفى يقولون لي بأن جثة طفلي مفقودة، وأخبروني أنهم بحثوا عنها، ولكن لم يجدوا الجثة، علماً بأني لم أرَ طفلي إلا مرة واحدة بعد الولادة مباشرة، وكان ملفوفاً بقماش أبيض خاص بالموتى، والحالة التي كنت فيها لم تجعلني أتأكد من أن طفلي ميت أم لا.
وجراء هذه الأجواء الغريبة أصابتني حالة هستيرية، وبدأت أصرخ: أريد ولدي، أين ولدي؟ فأتى المسؤولون في المستشفى لتهدئتي مدَّعين أن عمال النفايات الطبية التبس عليهم الأمر وأخذوا جثة الطفل مع بقايا النفايات. وعندما ضغطت عليهم لكي يتصلوا بشركة النفايات الطبية لتدارك الأمر حاولوا إقناعي بأن الأمر بسيط، وكل شيء على ما يرام ولا يحتاج لكل هذه التعقيدات، حتى إن أحد المسؤولين في هذا المستشفى أكد لي أن الأمر سهل، وقال لي جملته العامية وبالحرف الواحد: بنطيب خاطرك.. يطيب خاطري على ماذا؟ فطلبت ابني حياً أو ميتاً.
ويضيف والد الطفل عماد أنه توجه برفع الأمر للمسؤولين في الدوائر التي من شأنها البت في قضيتي وإنهاء ملابساتها واعادة الأمور إلى نصابها؛ حيث توجهت إلى إمارة الرياض وتقدمت بالشكوى، ثم تم تحويل المعاملة إلى وزارة الصحة التي بدورها حولتها إلى المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض؛ حيث ظلت معاملتي حبيسة الادراج هناك لمدة 11 شهر، وقد حفيت قدماي ذهاباً وإياباً في سبيل إيجاد حل ويعيدوا لي ابني، وكل دائرة تزعم ان هذا من شأن هذه الجهة أو تلك.
ويؤكد والد الطفل عماد عبر الأوراق الرسمية الخاصة بالفحوصات الطبية لزوجته أثناء متابعة الحمل وآخر تقرير قبل الولادة بيومين فقط أن الجنين يتمتع بحالة صحية جيدة، وعند ولادته كان يزن 3.7 كيلو جرامات.
ويضيف عماد والد الطفل: لقد عشت في السعودية منذ ما يقارب الخمس عشرة سنة أعمل في إحدى الشركات الخاصة، وامتزجت بالشعب السعودي وعرفت أخلاق هذا المجتمع وسلوكياته القائمة على المبادئ والقيم الإسلامية النبيلة، وهذه الأحداث غريبة على المجتمع، ولا أستغرب وقوعها في سائر بلدان العالم إلا في هذا البلد.
وفي نهاية حديثه ناشد عماد والد الطفل المسؤولين ومَن لهم اليد الطولى في حل مأساته وإعادة ابنه الوحيد ومعاقبة المسؤول عن هذا الأمر.
رأي النفايات الطبية
(الجزيرة) التقت بأحد المسؤولين (نفى ذكر اسمه) بشركة النفايات الطبية التي اتهمتها المستشفى بأنها مَن أخذت الجثة مع النفايات الطبية وقامت بإتلافه معها.
فقد أكد المسؤول أن هذا الكلام عارٍ من الصحة؛ حيث إن الأعضاء والأجزاء البشرية لا توضع مع النفايات الطبية، وإن هناك فتوى شرعية تأمر بدفن جميع الأجزاء البشرية.
في حين أشار إلى أن المقصود بالنفايات الطبية هي المواد المشعة والأدوية المنتهية الصلاحية ومخلفات العمليات من دماء وأغطية وشراشف وإبر، توضع في كيس مغلق ويسلم إلى شركة النفايات الطبية التي بدورها تتخلص منها بطريقة معينة؛ حيث توضع في غرف من الرصاص وتحرق في محارق خاصة شديدة الحرارة.
رأي الشؤون الصحية بالرياض
فيما جاءت إفادة الشؤون الصحية مخالفةً لما قاله والد الطفل عماد، ففي الوقت الذي أشار فيه عماد إلى أنه لم يتأكد من وفاة الطفل أكدت الشؤون الصحية أن ما يؤكد علم الأب بوفاة الطفل هو قيامه بإنهاء إجراءات الدفن. وأضافت الشؤون الصحية بمنطقة الرياض أن التحقيقات التي قامت بها بالتعاون مع الشرطة كشفت أن الجثة أخذت عن طريق أحد العاملين بالنفايات الطبية بطريق الخطأ.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الشؤون الصحية بمنطقة الرياض، فقد تم التحقيق مع إدارة المستشفى وصدر قرار بتغريم المستشفى 40 ألف ريال.
وحول اختفاء جثة الوليد ومطالبة والده بها، فإن الأمر أصبح جنائياً ويخص الصحة العامة. وترى الإدارة القانونية بوزارة الصحة إحالة ذلك إلى الجهات الأمنية لمعرفة أسباب اختفاء الجثة.
الرأي القانوني
من جهة يقول الكاتب الصحفي المختص القانوني أحمد بن عبدالرحمن الزكري الذي عبر عن رأيه الشخصي من خلال المعطيات التي لديه فقال: إن هذه الواقعة تطرح العديد من التساؤلات المحيرة التي بحاجة إلى إجابة. كل هذه القضية من خلال ما ذكره والد الطفل أن التقارير الطبية لمتابعة الحمل -وآخر تقرير صدر قبل يومين من الولادة- تشير إلى أن صحة الأم والجنين كانت جيدة، وأن الولادة ستكون طبيعية 100%، ولم يكن هناك أي احتمال لحدوث مضاعفات أو عوارض للجنين مسببة للوفاة، الأمر الذي يشير إلى احتمالية وقوع الخطأ الطبي.
وأشار الزكري إلى أن ادِّعاء المستشفى بعدم مسؤوليتهم عن اختفاء الجثة هو أمر لا يقبله الشرع والعقل؛ لأن مسؤولية المستشفى تظل قائمة ويلتزم بحفظ الجثة حتى تسلَّم لذويه، فالمادة الثانية والعشرون من نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان الصادر بالمرسوم الملكي رقم م-3 وتاريخ 21-2-1409هـ ألزمت الطبيب الذي يُستدعى لتوقيع الكشف الطبي على متوفًّى ألاَّ يعطي تقريراً بالوفاة إلا بعد أن يتأكد حسب خبرته الطبية من سبب الوفاة، ويترتب عليه التزام المستشفى باطلاع ذوي المتوفَّى على ذلك؛ للتأكد ما إذا كانت الوفاة طبيعية أو بخطأ طبي.
وأكد الأستاذ أحمد الزكري أنه في حالة الإخلال بهذا الواجب يُسأل المستشفى باعتباره قد اعتدى على حرمة الميت، ويعزر عنها المتسبب في ضياعها أمام القضاء الشرعي.
أما ما يخص العقوبات، فقد أوضح الزكري أنها تختلف باختلاف نوع المسؤولية، فمنها المسؤولية المدنية التي نصت المادة 28 من نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان على أن كل خطأ مهني صدر من الطبيب أو من أحد مساعديه وترتب عليه ضرر المريض يلتزم مَن ارتكبه بالتعويض، وتحدد اللجنة الشرعية مقدار التعويض.
كذلك هنالك المسؤولية الجزائية للطبيب والمنصوص عليها في المادة 29 من النظام المشار إليه؛ أي 'دون إخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال).
بالإضافة إلى أن هناك المسؤولية التأديبية، ونصت عليها المادة (32) مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية والمدنية يكون الطبيب أو أي من مساعديه محلاً للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول المهنة، أو كان في تصرفه ما يعتبر خروجاً على مقتضيات المهنة وآدابها، والعقوبات هي الإنذار أو غرامة مالية لا تتجاوز العشرة آلاف ريال أو إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة.
أما ما يخص اختفاء الجثة فيجب على أهل المتوفَّى أن يتقدموا ببلاغ (ضياع جثة) إلى الشرطة ضد المستشفى، التي بدورها تقوم بالتحقيق الأولي وتجميع الأدلة والمعلومات المتعلقة بالقضية والرفع عنها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام باعتبارها الجهة المختصة بالتحقيق في مثل هذه الجرائم. وفي حالة ثبوت الجريمة فإنها تطلب من القاضي الشرعي تقرير المتسبب في ضياعها التي يرجع إلى تقديرها القاضي نفسه.
رأي المستشفى صاحب القصة
(الجزيرة) حاولت مراراً وتكراراً الاتصال هاتفياً وحضوراً بالمسؤولين في المستشفى؛ التزاماً منها بمدأ الحياد في طرح هذه القضية، إلا أن المسؤولين لم يتجاوبوا واتبعوا سياسة المماطلة، ولم يردنا أي تجاوب منهم.
|