أنت في تعاملك مع البشر تحتاج إلى قلب كبير، وإلى مصابرة واحتساب وإلى نية صالحة صافية، هي الأساس الذي تقوم عليه مناصرة ربك لك ومدافعته سبحانه وتعالى عنك.
إنَّ البشر الذين تدعوك الحياة - ما دمت فيها - إلى التعامل معهم أصنافٌ كثيرة ومعادنٌ متفاوتة في صفائها وقيمتها، فأنت تتعامل مع الصادق والكاذب، والمخلص والمنافق، والحاسد والغابط، والمحب والمبغض، وصاحب القصد السليم والنية الصافية وصاحب القصد الملتوي والنية المغشوشة، وهنا يكون تعاملك مع هذه الأصناف المتعددة بقلوبها المختلفة، وأفكارها المتباينة، وعقولها المتضاربة تعاملاً صعباً يحتاج إلى وعي وبصيرة وصبر ومداراةٍ، ولجوء إلى الله عز وجل، خاصة حينما تضيق بك معهم السبل.
(حسبي الله ونعم الوكيل):
عبارة تريح قلبك، وتحفظ حقَّك، وترقى بنفسك، وتزيل همَّك وغمَّك، عبارة مشرقة لا يمكن أن يعاني من ظلام القلق والخوف والشك من قالها صادقاً مخلصاً.
(حسبي الله) دواء ناجع للوقوف أمام الذين يتلوَّنون في تعاملهم معك من البشر، (حسبي الله) جملة تصدُّ عنك سهام الذين لا يخافون الله في إساءتهم إليك، ولا يراقبونه فيما يقولونه عنك.
(حسبي الله) درعٌ يقيك من سهام الحاقدين، والحاسدين، والمصابين بسوء الظن، والمستجيبين لنداءات النفس الأمَّارة بالسوء، والمستسلمين لنزغات الشيطان ووسوساته وأوهامه، والسمَّاعين لشياطين الإنس المغتابين النمَّامين الذين يطعنون بكلامهم، وأكاذيبهم من الخلف طعنات لا يردُّها ويصدُّها عنك إلا الدرع الواقي (حسبي الله ونعم الوكيل)، إنها كلمة خفيفة على اللسان، سهلة الألفاظ رقيقة الحروف، ولكنَّها قويَّة في مواجهة أهل الشر من البشر الذين يحبون السوء، ويريدون الضَّرر.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، آية قرآنية كريمة تؤكد لأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام أنَّ الله وحده هو الذي يكفيه ويكفي من اتبعه من المؤمنين من كيد الكائدين، مكر الماكرين، وإساءة المسيئين، وحسب خير الخلق ومن آمن معه أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الكافي لهم والمعين والنصير.
وفي الآية الأخرى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وهل هنالك درع يصد عن المؤمنين هجمات الغاشمين الذين جمعوا قواهم للظلم والاعتداء، هل هنالك درعٌ غير درع (حسبنا الله ونعم الوكيل).
(حسبي الله) قلها ولا تخف، ردِّدها ولا تملّْ، ترنَّم بها ولا تقلق، فهي والله درعك الذي لا يصدأ، ولا يضعف أمام سهام الحاقدين المخادعين.
(حسبي الله) قُلْها بيقين، بإخلاص، بنية خالصة لله، قُلْها وأنت تعلم من سلامة قلبك وقصدك ما لا يعلمه الناس، وإنما يعلمه ربُّ الناس، وعندها ستجد نفسك في مأمن من غدرات الغادرين، وتحامل المتحاملين وظنون المشككين.
(حسبي الله) قلها وأنت متأكِّد أنَّ الله سبحانه وتعالى مطلع منك على سريرة سليمة، وقلب نظيف، ونيَّة صادقة، ورغبة راسخة في الخير، والإصلاح، والوفاء والصدق، وعندها ستنتصر - بإذن ربك - على كل من يظلمك، أو يغدر بك، أو يتعمد الإساءة إليك في وجهك أو من وراء ظهرك.
لقد طمأن الله بها رسوله عليه الصلاة والسلام قائلاً له: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ} فكن أنت مطمئناً بها ما دمت سليم الصدر.
إشارة:
يا صاحبي هذه الدنيا مودعة
ولو ملكت بها أموال قارون
|
|