أي مكتسب علمي أو إنساني لا يحمل الخلق هو ناقص بلاشك، وكثير من المناصب التي تعطى لمن يستحقونها أحيانا, تطغى عليها مسألة الخلق هذه.
وقد يستنفر البعض جهده ومواهبة وامكانياته في التحصيل والبلوغ لأعلى الدرجات, لكنه يفتقد للقيم والاخلاق, ولذا يعتبر في مقياس المحيط باهت ومحدود العطاء, ولربما كان التعامل الآلي أفضل وأرحم من المباشرة مع هذه النوعية من الناس.
قد يقول قائل: إن هناك مهناً تلتزم بمسألة انعدام الأخلاقيات, أو كما يقال مهن بلا أخلاقيات, وهي التي تهمل جوانب المبادئ والمشاعر وروابط التقييم, ورغم وجودها تبقى نافرة من ديباجة التكوين الفطري بأن كلمة طيبة مثل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء, أي إن مثل هذا التوجه المحكوم بالخلق لا ينتهي مفعوله أو أمده، بل يتواصل إلى تداعيات إيجابية أخرى والعكس صحيح بلا شك.
ولذلك كانت رسالة المصطفى عليه السلام واضحة (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق), وهي تأكيد على مهمة الأخلاق وتدعيمها بالجوانب الإنسانية التي يجب ألا تنفصل عن أي شأن من شؤون الحياة وشجونها.
الآن, ندرك تماماً أننا في زمن بلا أخلاقيات, ولست بصدد تعليم الناس أطر وسلوكيات حياتهم, لكننا مرغمون حقاً على مجافاة هذا الواقع الذي يختلق الذرائع والمبررات لأي تعاملات تعنى بشؤون الناس وتتجاهل قيمهم، بل إن بعض المهن أصبح هدفها الواضح والصريح هو الجشع والاستغلال, وإن تكوين علاقة إيجابية نظيفة فيما بين الناس وتعاملاتهم, أصبحت مسألة إهدار للوقت ومدعاة للسخرية.
يجب أن تبتلع ما تمرره الرداءة, وأن تتفهم بنفسك كل هذه الأساليب الملتوية بالعقل وليس العاطفة, وأن توجد لمن ينصب عليك عذراً وتلطفاً بأن هذا عمل ومكسب حتى وإن كنت الضحية في عز النهار.
وإليكم بعضاً من نماذج مثل هذه الأخلاقيات المعدومة في مهن يفترض إنسنتها وأخلقتها بالدرجة الأولى, كبعض الأطباء مثلاً, عندما تذهب للتداوي في وقت تزدحم به يافطات الإعلانات وتختلط مع غيرها من المطاعم والمهرجانات والعروض للصيف وللشتاء وكأنها زحمة بلا رحمه, وما أن تفتح ملفاً إلا وطلبوا منك قيمة افتتاحه, وما أن ينظر إليك الطبيب إلا وأعاد النظر إلى اسمك عله يوحي إليه بدسامة وعراقة مالية توحي بالدفع, وإذا لم يجد أي من هذا وذاك فقد يهب عقله إلى دمك, نعم إلى دمك, يمتصه بتحاليل ليس لها أول أو آخر, ومن المعروف عند الأطباء أنك إذا أردت أن تعصر مريضاً ممتلئاً بالجاه أو مكفهر الجيب عليك بالدم ولا سواه, بعد ذلك ستمر عبر المزرعة, أما ماهي المزرعة ؟
فهي أيضاً مكلفة لكنها لن تنتج محاصيل أو مواشي تدر عليك, إنما هي لأي من مخرجات الجسم حتى يضع الطبيب يده على جرحك وعلى جيبك, نسيت أن أقول إن بعضاً من هذه المواقف قد يمر عليك لتعالج نفسك من لفحة هواء أعادت الدورة إلى أن قذفت بك في المكان الخطأ!.
|