* نيويورك - طارق عبدالغفار - أ.ش.أ:
عزز ارتفاع أسعار النفط بالسوق الدولية احتمالات تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي للعام الحالي في ضوء تردي الأوضاع الأمنية بالعراق والتي تهدد بتوقف صادرات النفط العراقية واستمرار أزمة النفط الروسية والانفجار الذي حدث في مصنع تكرير النفط التابع لشركة بريتش بتروليم والاستفتاء الرئاسي المتوقع في نهاية الأسبوع الحالي بفنزويلا.
ويرى خبراء نفط دوليون أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لا يمكنها وحدها إعادة الاستقرار لسوق النفط الدولية رغم رفع معدلات الإنتاج إلى حوالي 95 بالمائة من طاقتها الإنتاجية.
وأوضح المحلل النفطي اشلى سيجر أن ارتفاع أسعار النفط تهدد بزيادة معدلات التضخم بالدول المستهلكة للنفط وبالتالي رفع الفائدة وهو ما يهدد معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بتلك الدول وينعكس سلبا على البورصات الدولية.
وأشار إلى أن أزمة شركة يوكوس الروسية والتي جمدت الحكومة الروسية أصولها بسبب تهربها من الضرائب والتوتر الحالي بمنطقة الشرق الأوسط التي يأتي منها حوالي 54 بالمائة من إمدادات النفط والاستفتاء الرئاسي بفنزويلا التي تسد 14 بالمائة من احتياجات الولايات المتحدة النفطية بالإضافة إلى التنافس الشديد بين الولايات المتحدة والصين لاستيراد أكبر كمية من المعروض النفطي دفعت أسعار النفط إلى الارتفاع بصورة قياسية بالأسواق الدولية.
وتنفى أوبك مسئوليتها عن ارتفاع النفط بالسوق الدولية موضحة أن ارتفاع أسعار النفط ترجع إلى عوامل ليست ذات صلة بها.
ويرى خبراء نفط دوليون أن استهداف آبار النفط بالعراق وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها فنزويلا بسبب الاستفتاء على الرئيس شافيز انعكست سلبا على قدرة أوبك على مواجهة الارتفاع الحالي في أسعار النفط بالسوق الدولية.
وحذّر مسئولون بشركة يوكوس أن الشركة أكبر منتج للنفط بروسيا والتي يحاكم مديرها التنفيذي السابق ميخائيل خودروكوفسكي حاليا بتهمة التهرب الضريبي والخداع سوف تنهار بحلول نهاية الشهر الحالي بسبب تجميد حساباتها المصرفية وأصولها.
وأوضحوا أن صادرات الشركة النفطية سوف تتأثر بقرار تجميد الأصول والحسابات المصرفية، مشيرين إلى أن وقف صادرات الشركة التي تنتج حوالي 20 بالمائة من إجمالي النفط الروسي سوف تكون له تداعيات خطيرة على أسواق النفط الدولية.
ويرى خبير النفط ستيف ترنر أن أوبك سوف تضطر إلى إلغاء القيود التي تفرضها لزيادة الإنتاج مرة أخرى حال حدوث تناقص في المعروض النفطي الروسي.
وأوضح أن أوبك التي تسعى إلى خفض أسعار النفط تستخدم 95 بالمائة من طاقتها الإنتاجية لزيادة المعروض النفطي في الوقت الحالي والذي يعتبر اكبر معدل خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية.
وفي السياق نفسه يشدد المرشح الديموقراطي للرئاسة الأمريكية جون كيري على ضرورة تقليل الاعتماد على أوبك بصورة رئيسية لسد احتياجات الولايات المتحدة النفطية.
ويركز برنامج الحزب الديموقراطي الذي تم إقراره في مؤتمر الحزب الأخير على زيادة الاعتماد على النفط القادم من دول غير أعضاء بأوبك ولاسيما روسيا وكندا ودول أفريقية.
وتعرض وزارة الطاقة الأمريكية طرح المزيد من المعروض النفطي بالسوق الأمريكية لتقليل الاعتماد على استيراد النفط حال ارتفاع الأسعار بالسوق الدولية متذرعة بأن الاحتياطي النفطي لا ينبغي استخدامه إلا في أوقات الطوارئ.
وتشير الاحصائيات إلى أن إنتاج النفط بالولايات المتحدة تراجع بنحو خمسة في المائة رغم المخاوف من ارتفاع أسعار النفط بالأسواق الدولية خلال الأشهر القليلة القادمة. وبلغ حجم إنتاج النفط الأمريكي 5.43 ملايين برميل يوميا في بداية يوليو الحالي مقارنة بنحو 5.70 ملايين برميل في فبراير الماضي.
ويبلغ إجمالي النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من الخارج حوالي 20 مليون برميل يوميا وفي الوقت الذي يستهلك فيه الإنتاج المحلي بالكامل داخل السوق الأمريكية.
ويقل إنتاج الولايات المتحدة النفطي خلال شهر الصيف حيث يتم صيانة وإصلاح تجهيزات البنية النفطية الأمريكية. وترى الولايات المتحدة أن النفط الروسي يمكن تصديره للسوق الأمريكي من خلال إنشاء خطوط أنابيب بالميناء الشرقي الروسي لتسريع وتيرة نقل النفط عبر الأطلنطي لتلافي ارتفاع الأسعار والتضخم.
وأوضح خبير النفط الأمريكي مارتن كروستنجر أن المخاوف من التداعيات السلبية لارتفاع النفط على الاقتصاد الأمريكي والعالمي لها ما يبررها لأن ارتفاع أسعار النفط كانت السبب الرئيسي وراء انزلاق اقتصاد الولايات المتحدة إلى الركود أربع مرات خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأشار إلى أن حالة عدم الاستقرار والتوتر بالعراق والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها السعودية مؤخرا وزيادة الطلب العالمي واستراتيجية النفط الأمريكية الرامية إلى إعادة بناء الاحتياطي النفطي الأمريكي تعزز من التشاؤم بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي العام الحالي.
ويرى خبير النفط الأمريكي دافيد وايس أن استمرار الزيادة في أسعار الطاقة سوف تدفع الاقتصاد العالمي للركود المزمن مشيرا إلى أن الارتفاع القياسي لأسعار النفط سوف تقلص من معدلات الإنفاق الاستهلاكي وترفع أسعار السلع وتهدد بزيادة معدل التضخم بالولايات المتحدة والدول المستوردة للنفط وهو ما سوف يدفع أسعار الفائدة للارتفاع.
ويتوقع خبراء نفط غربيون ارتفاع صادرات أوبك النفطية بنحو 4.6 في المائة العام الحالي بسبب زيادة معدلات الطلب بالسوق العالمية وأزمة عملاق النفط الروسي.
ورغم التوقعات بزيادة معدل نمو منطقة اليورو بشكل سريع العام القادم بات ارتفاع أسعار النفط بالسوق الدولية والتضخم مصدر قلق للدول الأعضاء بمنطقة اليورو التي ترى أن احتمالات تحقيق نمو ملحوظ العام الحالي تتلاشى في ضوء التوقعات المتزايدة برفع الفائدة وتزايد معدلات العجز في الموازنة بالعديد من الدول الكبرى كألمانيا وفرنسا.
وفي السياق نفسه اندلعت معارك دبلوماسية بين الصين واليابان طيلة الأشهر الماضية بشأن الحصول على امتيازات بحقول النفط بسيبريا في الوقت الذي تتنافس فيه واشنطن وبكين لشراء أكبر كمية من المعروض النفطي بالسوق العالمية. وتبذل اليابان التي تعتمد كلية على الاستيراد لتوفير احتياجاتها النفطية جهودا مضنية لاقناع روسيا بإقامة مشروع خطوط أنابيب يبلغ طولها 2300 ميل وتمتد من حقول سيبيريا الروسية إلى الموانئ اليابانية لتأمين احتياجاتها النفطية.
وعرضت طوكيو تمويل خط الأنابيب بنحو خمسة مليارات دولار واستثمار سبعة مليارات دولار لتطوير حقول النفط بسيبيريا.
وفي المقابل تسعى الصين ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة إلى الحصول على نصيب كبير من حقول النفط بسيبيريا نظرا لاحتياجها الشديد للنفط وتقديراتها المتعلقة بالأهمية الحيوية للنفط المستخرج من تلك المنطقة لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتقليل الاعتماد على نفط منطقة الشرق الأوسط.
وتخطط بكين لإقامة خطوط أنابيب لنقل النفط من حقول سيبيريا إلى داكنج الصينية بامتداد 1400 ميل.
وفي محاولة لانتزاع موافقة روسيا على مشروع خطوط أنابيب نقل النفط من حقول سيبيريا إلى السواحل اليابانية عرضت طوكيو منح موسكو ملياري دولار إضافية لتمويل المشروعات الاجتماعية.
ويتوقع المحلل بول روبرتس تأثر العلاقات اليابانية الصينية سلبا حال انتزاع طوكيو موافقة روسيا على إقامة مشروع خطوط الأنابيب لنقل النفط الروسي إليها.
وأضاف أن الحرب الخفية على النفط بين بكين وطوكيو من ناحية والصين والولايات المتحدة مرة أخرى تؤكد أن النفط هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في العالم.
ويتوقع خبراء نفط دوليون تصاعد الحرب الخفية بين الولايات المتحدة وأوروبا في مجال استيراد الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
وأضافوا أن الاحتياج المتزايد للنفط بالعديد من الدول النامية ولاسيما الصين والهند والبرازيل يهدد اقتصاديات تلك الدول في المستقبل في ضوء التوقعات التي تشير إلى أن معدل استيراد النفط بتلك الدول سوف يتضاعف بحلول عام 2020 ويتوقع خبراء نفط دوليون ارتفاع عائدات النفط بالدول الأعضاء بأوبك نتيجة ارتفاع أسعار النفط رغم المخاوف المتصاعدة من تراجع معدلات الاستهلاك العالمي بسبب الأسعار المرتفعة.
|