Tuesday 17th August,2004 11646العدد الثلاثاء 1 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

نعوم تشومسكي وديموقراطية الرعاع نعوم تشومسكي وديموقراطية الرعاع
د. محمد بن سعود البشر

1-2
نعوم تشومسكي ناشط سياسي وكاتب أمريكي مشهور، وهو أستاذ اللسانيات في معهد ماساتكشوستكس للتكنولوجيا في مدينة بوسطن الأمريكية ومحاضر مميز في السياسة والفلسفة. من إبداعاته الجديدة كتاب: (هيمنة الإعلام: الإنجازات المذهلة للدعاية) الذي ترجمت دار الفكر بدمشق طبعته الثانية. وسر الإبداع والتميز في هذا النتاج مقاربته للواقع الإعلامي الذي تمارسه الولايات المتحدة في مغامراتها العسكرية الخارجية، وحديثه عن المستند النظري لهذه المغامرات الذي يرتكز على فهم مغلوط ومتعمد للممارسة الديموقراطية.
يقول تشومسكي: (إن المجتمع الديموقراطي هو ذاك الذي يتمتع فيه الناس بوسائل المساهمة بطريقة معقولة في إدارة شؤونهم وبوسائل إعلام مفتوحة وحرة). هذا هو المفهوم الصحيح للمجتمع الديمقراطي. أما المفهوم البديل والمطبق هو: (منع الجماهير من إدارة شؤونهم، وإبقاء الإعلام تحت هيمنة صارمة ضيقة). قد يبدو هذا التصور منافيا للديمقراطية، لكن تشومسكي يؤكد على أنه هو المفهوم السائد والمطبق حتى وإن كان يتقاطع بشكل حاد مع المفهوم الصحيح، ذلك أنه يخدم مصلحة فئة مهيمنة في المجتمع هم الساسة ورجال الأعمال، (المسؤولون الأذكياء) الذين يعرفون المصالح العامة ويقدرونها. هذا المفهوم ينطوي على لازمة مفادها: أن جماهير الشعب غبية جدا بحيث لا تفهم الأمور، وإذا ما حاولوا المساهمة في إدارة شؤونهم فإنهم يحدثون اضطرابا وإشكالات. ولهذا يعد السماح لهم بإدارة شؤونهم أمرا غير أخلاقي وغير ملائم، وبالتالي يجب ترويض هؤلاء الرعاع وعدم السماح لهم أن يسحقوا الأمور بأقدامهم ويدمروها.
هؤلاء النخبة - إذن - بحاجة إلى وسيلة لترويض الرعاع فما الوسيلة التي تحقق (صناعة القبول)؟
الوسيلة هي الإعلام
طبق الساسة ورجال الأعمال المقربون منهم والمستثمرون في المؤسسات الإعلامية المفهوم الخاطئ للديموقراطية الذي أشار إليه نعوم تشومسكي، فحاولوا السيطرة على الرأي العام من خلال حجب الحقيقية عنه والحيلولة دون ارتفاع صوته، وتشتيت انتباهه واهتمامه، وصرفه إلى مضامين الترفيه من مسلسلات، ورياضة، وأفلام جنس أو عنف، ودفنه بين موجات من الدعاية والكذب، وفي أحيان كثيرة يجعلونه يعيش في أوهام مرعبة بتخويفه من عدو قادم يسحق حياتهم ويدمرها. هذه الاستراتيجية التي تعتمد صرف انتباه الرأي العام عن مشكلاته تتخذ مسارين: داخلي وخارجي. وفي هذا يقول تشومسكي: (إذا ما ألقيت نظرة على البرامج الداخلية للإدارات الأمريكية عبر السنين العشر المنصرمة فإنك لن ترى أي اقتراح جاد حول ما ينبغي عمله بشأن المشكلات الحادة، مثل مشكلة الصحة، والتعليم، ومشكلة التشرد، ومشكلة البطالة ومشكلة الجريمة، ومشكلة تعاظم السكان الإجرامي، ومشكلة السجون، ومشكلة تخلف المدن الداخلية. إنها مشكلات نعرفها وتتعاظم سوءاً. وفي غضون السنتين اللتين قضاهما جورج بوش من ولايته هبط ثلاثة ملايين طفل آخرون إلى ما تحت خط الفقر، كما ازداد الدين، وهبطت مستويات التعليم، وانتكست أجور غالبية الناس إلى المستوى الذي كانت عليه في خمسينيات القرن العشرين. ولا أحد يعمل شيئا تجاه ذلك.
في مثل هذه الظروف لابد من صرف أنظار الرعاع عن هذه المشكلات لأنهم لن يكونوا راضين إذا عرفوها فهم الذين يعانون منها.
وفي المسار الخارجي يقول تشومسكي إن النخبة المهيمنة على الرأي العام لا يكفيها صرف انتباه الجماهير عن هذه المشكلات بتوجيههم إلى مشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات الترفيهية، بل لابد من إثارة الخوف في نفوسهم من الأعداء، ووسائل الإعلام كفيلة بتحقيق ذلك. ففي السنوات العشر الماضية - والحديث لتشومسكي - كنا ننشئ وحشا ضخما كل سنة أو سنتين يتوجب علينا الدفاع عن أنفسنا ضده.
وكان هناك عدو جاهز وموجود دائماً هو: (الروس). لكن هذا العدو بدأ يفقد جاذبيته كعدو، وأصبح استخدامه يزداد صعوبة يوما بعد يوم، ولذلك لابد من استدعاء أعداء جدد كما فعل جهاز العلاقات العامة الريغاني (نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان) في ثمانينات القرن العشرين، وهكذا صور الإعلام الإرهابيين الدوليين بأنهم العدو الجديد الذي سيغزو العالم ويحتله.
وهكذا خلقت الولايات المتحدة عدوا جديدا اسمه (الإرهاب)، وبالمفهوم المغلوط للديموقراطية الذي أشار إليه تشومسكي فإن الإدارة الأمريكية ومعها الإعلام تجعل الرأي العام داخل الولايات المتحدة يسير أعرجا كالإوزة، يردد شعارات موجهة تطالب بالقائد الذي يخلصهم من الخوف والرعب الذي يغمرهم بفعل الأوهام التي غرسها النخبة!!
انتهى المطاف بالرأي العام إلى أن يخدم أفراده كمرتزقة في دولة قمعية، يساورهم أمل بأن الآخرين سوف يكافئونهم على سحق العالم!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [خدمة الإنترنت] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved