الكلام ذلك الإعجاز والنعمة العظيمة التي اختص بها الله الإنسان وميزه بها عن سائر المخلوقات وما هي إلا نعمة أو نغمة على صاحبها فكم من سعيد أسعد بكلامه وشقي ما جلب عليه الشقاء إلا كلامه وكم من هالك هلك بحصائد لسانه. الشعراء الجاهليون خاصة خير دليل قاطع، انظر إلى مصير طرفة بن العبد والنابغة الذبياني إلا أن الأخير تداركه لسانه وانجاه، والكلام وسيلة يعبر بها الإنسان عما يدور في نفسه من خلجات وشعور وتحقيق مطالب ورغبات وتفريغ عواطف وانفعالات ووسيلة وأداة يكون بها الاتصال بين الشعوب وتبادل آدابها ومعارفها مع بعضها البعض، وبه يكون التفاهم وتبادل الآراء ووجهات النظر. الكلام منه درر ثمينة نفيسه تحق حقا وتبطل باطلا وبهذه الدرر يُعز قوم ويُذل قوم (قوم هم الانف)، لعل من انفس هذه الدرر إذ لم تكن وحدها هي الدرر هو (الأدب) شعرا كان أم نثرا. والأدب أرقى كلام قاله الإنسان، الأدب بيت رفيع العماد طويل النجاد، خير حديث يتكلم به الإنسان قال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرا). الأدب فن منطوق من الفنون الإنسانية الجميلة الهادفة يعده عقل وقلب الأديب وينظم عباراته ويقدمه لسان الأديب، وما الأدب الا مؤثر يؤثر على نفس السامع تصاحبه أجراس موسيقية تداعب مسامع السامع. الأدب مصور دقيق ومجسد يجسد ويشخص ما يحسه الأديب وما يدور في مخيلته. الموهبة الأدبية موهبة عظيمة ونعمة جليلة يجب تنميتها وتغذيتها من جميع النواحي كي تطرح ثمارها الجَنِيّة فثمرها حلو فمثلها كمثل الشجرة لا تنمو ولا تعطي الثمار حتى يُعنى بها وتُرعى خير رعاية ولعل خير غذاء لها الوقوف والاطلاع على نتاج الفكر الإنساني المقابل والاطلاع على معارف وفنون الشعوب الأخرى. الأدب نتاج فكري إنساني أخرجه وأعده عقل وقدّمه لمتشوقيه لسان ودوّنه قلم وهذا النتاج الفكري يتأثر بما تتأثر به النفس البشرية، إن كان قد عاش الأديب ظلما وعانى منه نجد الغالب من نتاجه يتحدث عن الظلم وقسوته:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهنّد |
هذا البيت إبداع أدبي تتجلى فيه الحكمة الخالدة، إبداع أخرجته مدرسة الشاعر ووجود تأثير الظلم على هذا النتاج كان واضحا جليا وختاماً:
ترك النفوس بلا علمٍ ولا أدبٍ
ترك الجسوم بلا طب ولا آس |
|