Monday 16th August,200411645العددالأثنين 30 ,جمادى الآخر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
سبحان خالقها
عبد الرحمن صالح العشماوي

ليت كل قارىء كان معنا حينما أقبلت علينا بتلك الهيئة العجيبة، لأن هيئتها ومنظرها، وفخامتها ومهابتها تفوق كل وصف لقلم مهما كان دافقاً سيَّالاً.
كانت ضخمة الهيكل، عريضة المنكبين، كبيرة الهامة، متراكمة الشحم واللحم، يمتزج بياضها بسوادها امتزاجاً عجيباً غريباً، حتى إن العقل ليحار في وصفها حيرة لا يدري معها أهي جميلة ساحرة، أم قبيحة منفِّرة، لا يستطيع أن يصفها بالجمال مع ما لها من الضخامة والجهامة، ولا بالقبح مع ما لها من الجلالة والمهابة، وإن كان شعوره بأنها جميلة برغم ضخامتها وجهامتها يغلب على إحساسه، ويسيطر على وجدانه.
نعم إنها جميلة بلا شك، عظيمة بلا ريب، مخيفة برغم جمالها، مألوفة برغم ضخامتها وعظمة شكلها، لافتة للنظر، باعثة لمشاعر الفرحة والإعجاب، والخوف والاضطراب.
لقد سلبت عقولنا نحن الجالسين أمام هيكلها العجيب، سرقت أنظارنا، وأجرت على ألسنتنا من التسبيح والتكبير ما جعل لمجلسنا دويّاً كدويّ النحل.
إنها تقبل علينا من الجانب الشرقي لمجلسنا، تسد أمامنا الأفق، حتى لا ترى عيوننا إلا هيكلها الضخم يقبل من كل مكان، ولقد كانت برغم ثقلها وتراكمها وضخامتها، مسرعة سرعة لا يكاد يصدقها عقل، إنها تمتلك الفضاء الرحب وهي تحيط بأجوائنا من كل مكان، يا لها من مخلوق عجيب يبهر العقل ويهز النفس من أعماقها.
لقد زادت ضخامتها وجهامتها وطغى سوادها على بياضها وتضاعفت سرعتها حتى تصاغرت أمامها أبعاد الفضاء وحتى ظننا انها ستقتلع معها مجلسنا وما حوله اقتلاعاً أو أنها ستغمرنا بهيكلها الضخم حتى ما يعرف لنا الناس أثراً.
سبحان خالقها العظيم، ما أعظم خلقها، وما أشدّ سموقها، وما أقوى جسمها، وأسرع سيرها.
إنها الآن تحيط بنا من كل مكان، وتتحول إلى كائن ضخم أسود اللون، إنها كقطعة عظيمة من ليل بهيم، لقد استطاعت تلك الرائعة أن تصرفنا عن كل شيء إنها تعجبنا وتطربنا وتخيفنا خوفاً ظهر على وجوهنا جميعاً اللهم اعطنا خيرها وخير ما فيها وما جاءت به هكذا كانت ألسنتنا تلهج بالدعاء أمام هذه المخلوقة العجيبة.
الآن أصبحت تخاطبنا بصوت قوي يهزُّ القلوب، ويكاد يصم الآذان وتفتح لنا مغاليق لونها الأسود القاتم ببريق عجيب يكاد يخطف الأبصار، يا لها من مخلوقة رائعة في خوفها، مخيفة في روعتها، إنَّ الأضواء القوية التي تبيّن لنا جوانب من عظمة هيكلها لتزيدنا بها إعجاباً ومنها خوفاً.
سبحان خالقها ماذا تريد؟ وإلى أين تتجه؟ وماذا ستصنع بنا؟
ما أصغر مجلسنا وما حوله أمام هذه القادمة العجيبة!
بل ما أصغر الجبال التي تحيط بنا أمام هيكلها الضخم الغريب!
هنا تذكرت تلك الرواية التي تروى عن مجلس لجماعة من العرب ومعهم أعرابي كفيف البصر، حيث نشأت سحابة من بعيد، فقالوا له: هذه سحابة نشأت قال: كيف ترون أعاليها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد سموقها!، قال: كيف ترون أسافلها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكُّنها،قال: كيف ترون أواسطها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها!، قال فكيف ترون لونها أجَوْنٌ هو أم أبيض؟ قالوا: بل هو جَوْنٌ فاحم السواد، قال: فكيف ترون برقها أيومض وميضاً أم يشق شقاً؟ قالوا: بل يشق شقاً، قال: ابشروا بالحيا، أي المطر. تذكرت هذه القصة وأنا أرى مع جلسائي تلك القادمة ذات الهيكل الضخم، واللون الجهم، والوميض الذي يكاد يخطف البصر.
ألم أقل لكم: ليت كل قارىء كان معنا في ذلك المجلس ليردد كما كنا نردد: سبحان خالقها!
من هي يا ترى هذه المخلوقة العجيبة؟
إنها سحابة نشأت أمامنا عصر يوم الثلاثاء 24-6- 1425هـ حينما كنا في مجلس في قريتنا عراء في منطقة الباحة كانت من الضخامة والمهابة بمكان لا يكاد يوصف، ولقد ذكرتني وهي تسرع في إقبالها علينا من الجانب الشرقي ومعها عواصف من الرياح تسوق هيكلها الضخم، وهي تحدثنا بصوت رعدها القاصف، ووميض برقها الخاطف ذكرتني بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من مثلها، حيث كان - عليه الصلاة والسلام- يقابل مثلها بالذكر والتسبيح والدعاء ويظهر أثر ذلك في وجهه الكريم، ويظل يخرج ويدخل حتى تنجلي ويخبر ان الله أهلك أمماً بمثلها، وأنها من دلائل عظمته وقوته عز وجل.
لقد ساقت إلينا هذه المخلوقة العجيبة - بإذن ربها- من المطر الغزير والبَرَد ما جعل درجة الحرارة تصل إلى الثانية عشرة بعد أن كانت ستاً وعشرين درجة في وقت صيفي تصل فيه درجة حرارة بعض المواطن إلى خمسين درجة.
سبحان خالقها ومبدعها، سبحان القوي العزيز الحكيم!
إشارة:


أعيش مع الإيمان بالله إنني
أصدُّ به في الأرض أقسى الشدائد


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved