يعد إقرار قانون الانتخابات البلدية في بلادنا المملكة العربية السعودية حفظها الله خطوة على الطريق هامة في هذا المنعطف التاريخي الصعب الذي نعيشه وفي الوقت نفسه هي مرآة تعكس صورتين:
الأولى.. تعبر عن المضامين السياسية والفلسفية لحكومة المملكة العربية السعودية والتي تتجلى معالمها في الحرص الدائم على النهوض بواقع الممارسة والمشاركة التعليمية للمواطن المؤهل والقادر في مسار التنمية المستدامة تنظيراً وتخطيطاً وممارسة وتقويماً.
أما الصورة الثانية فتبدأ في حسن استثمار النضج الجماهيري الراهن من أجل وفي سبيل تشييد نمط متميز ليس مسخاً لأنظمة مستعارة بل نبت من أرض الواقع بمناخه وتضاريسه وبنيته العقدية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ولذا لا عجب أن تتخصص التجربة في الشؤون المحلية الداخلية التي يلامسها ويقرأ ملامحها وقد يعلم دهاليزها وأبعادها ويجيد فن القول فيها غالباً الرموز المتوقع ترشحهم في المناطق الثلاثة عشرة، وبهذا يتحقق التفاعل بين طرفي المعادلة في المجتمع المدني وبشكل تدريجي.
إن التجربة الانتخابية مهما قيل عن إرهاصاتها السابقة في المجتمع السعودي فإنني أعتقد أنها بثوبها الحالي وفي هذا الوقت بالذات تمثل تجربة جديدة لها أسبابها ومساربها الخاصة وستنحو بها إلى مسار مختلف وتتعامل مع معطيات تتباين عما كان سائداً آنذاك، ونجاحها الفعلي وقطف ثمارها الإيجابية لا يتوقف فقط على ملامح الصورة كما رسمت في الفضاء السياسي والثقافي السعودي وإنما يتكئ النجاح وبامتياز على ركيزة أساس لا تقل أهمية عما هو في ذهن المخطط، إنها تفاصيل الصورة وأبعادها الأخرى التي تعبر عنها الممارسات والتوجهات والتكتلات بملامحها الظاهرة ذات التعرجات الفكرية والثقافية والاجتماعية، بل وحتى الاقتصادية والسياسية والتي تطفو على سطح الواقع المعاش بين الفينة والأخرى، فهل ستؤدي التجربة على المستوى المحلي إلى بلورة رؤى متعددة كلها تتفق على هدف تحقيق الصالح العام تحمل في مضامينها نواة مشاريع نهضوية تنموية إبداعية رائدة في كل منطقة، أم أنها ستؤدي إلى يقظة تيارات ذات مرجعيات قديمة تجيد فن صياغة الشعارات التي تلامس شغاف قلوب الكادحين، أم إن قواعد اللعبة كلها ستنسف وتتحطم على صخرة التعصب والعنصرية، وهل ستملك الأطراف المتنافسة فن إدارة الصراع على المقاعد المتاحة أم أنها ستكرس ما هو متجذر في بنية تفكير البعض من عجزنا عن تنظيم بيتنا وإدارة شؤوننا الخاصة؟إن المتعارف عليه في أدبيات الانتخابات وتجاربها أنها تنطلق من تأييد أو انتماء ولكن نوعية الانتماء هي التي تضفي على العملية الانتخابية نجاحها وتقدمها أو يكون على يدها وأدها ورجعيتها، وللمحك الفارق في هذه العملية المرتقبة بعدان أساسيان:
البعد الأول: وعي من قبل المرشحين بكيفية الالتقاء على أرضية مصلحة الوطن والمصلحة العامة، والقدرة على ترجمة هذا الوعي في صورة برامج تلامس مشكلات الناس وتحقق التنمية الحقيقية في المنطقة، وآليات عملية تلائم سياسة الدولة وإستراتيجيتها وميزانيتها ونظامها والأبعاد الاجتماعية والثقافية للمنطقة.
البعد الثاني: الوعي الفردي القائم على اقتناع ذاتي بمعايير الاختيار وقوة الإرادة التي تعبر عن الذات وتستثمر الحق في حرية الانتخاب، فإما أن تنمو الحرية الفردية في إطار وعي حي وإما أن تحبس تلك الحرية في قفص محاط بأربعة أسوار حديدية:
- الجهل والأمية أو بعبارة ألطف تدني الوعي لدى شريحة من الناخبين.
- غياب معيارية الاختيار.
- ذوبان الإرادة الذاتية في طيات إرادة هلامية.
- اعتبار القضية، معركة ذاتية أو حتى قبلية من أجل الوصول إلى كرسي المشاركة في المجلس البلدي وليست تنافساً من أجل تحقيق المصلحة العامة في المنطقة.فإلى أي مدى ستكشف التجربة الانتخابية القادمة عن هذه الدلالات، وهل ستتلاشى هذه التخوفات، وهل سيسوق المشهد تبايناً يعكس التفاوت الأيكيولوجي (السكاني، الاجتماعي، الثقافي) في المناطق المختلفة، وكم سيكون سعر متر القماش الأبيض الذي مازال المعلنون والمرجون بل وحتى المتزوجون وربما سيكون المرشحون عن قريب يكتبون عليه ما عنّ لهم من وعود، وهل ستبقى مدينتنا التي يشهد لها الجميع بالنظافة والجمال كما هي الآن؟ هذا ما ستبديه الأيام.
|