ظلت الأغنيات تنادي بالوصل وتتألم من القطيعة والهجران والنأي إلى البعيد، فيما ظل الطرب العربي على وجه التحديد يشنف آذاننا بموشحات تهيل على الوصل رؤى أسطورية لا تكاد تصدق بها، أو تعترف بوقوعها، فمن هذا الوصل تفتق الزمن الجديد، حيث اقترب البعيد وتداخلت المسافات فلم يعد الشقاء من أجل اللقاء موجوداً.. لقد حُلّت هذه الإشكالية على متن نفاثة وعبر أثير إذاعة أو تلفاز أو موجات إلكترونية مذهلة.
فالأمر لم يعد بتلك الصعوبة التي يتصورها البعض لأن المسافات قد جسرت من خلال التواصل والمواصلات حديثها وجديدها، فالقطيعة أضحت شيئاً من الماضي.
(زمن الوصل) أصبح ماثلا للعيان، وقريباً منا أينما ذهبنا أو أقمنا، فلم يعد للشعراء والحالمين والمدندنين على أوتار غنائهم أن يقولوا جديداً في هذا السياق، إلا أنهم وبطرقة - رد الفعل العكسي - أخذوا في هجائه وتبيان قسوته وشرح فظاظته تماماً مثلما كانوا يندبون الحظ العاثر حينما وقعوا في براثن القطيعة والهجران.
الزمن الجديد كفيل - فيما يبدو - بتحويل الكثير من المعارف والقناعات بل والعبث فيها أحياناً على نحو ما صارت إليه أمور الفراق والبعد، وسيأتي الزمن الذي تتحول فيه الأشياء عن مألوفها لأن المنطق لم يعد بيت شعر يغنى أو قصة تروى إنما أضحى كياناً جديداً علينا التعامل معه بفكر جديد يساير هذا التحول.
|