لعل من المناسب ذكره أن منطقة نجد حظيت بحركة شعرية على مر العصور واشتهر عدد من شعرائها على ألسنة العامة والرواة، ولكن هناك العديد من الشعراء الذين لم يكن لهم ذكر بسبب قلة تدوين أشعارهم ولعدم تمكن الرواة من حفظ شعرهم، كما أن التشابه في القوافي أو تداخل الأبيات مع بعضها البعض قد ينسب القصيدة إلى شاعر آخر.
والباحث في الأشعار يجد تجاوزات واختلافات حتى في نسبة الأشعار إلى أصحابها، وقد يشتهر اسم شاعر فينسب إليه شعر شاعر آخر بمجرد التشابه في الاسم. وفي هذه المقالة أود أن أتحدث عن شاعر من الشعراء الذين عاشوا في القرن الحادي عشر والذي اختلطت أشعاره مع شاعر آخر عاش قبله بزمن.
اسمه ونسبه
مما يؤسف له إنني لم أتمكن من معرفة اسم هذا الشاعر حسب المصادر التي اطلعت عليها، ولعله اشتهر بلقبه الذي طغى على اسمه كون هذا الشاعر فيه شيء من السمنة البسيطة فأطلق عليه لقب السميّن بتشديد الياء.
والسميّن يرجع في نسبه إلى العنبر بن عمرو بن تميم وهو من آل أبو حسين الذين منهم آل جماز الذين كان لهم سطوة في جنوبية سدير والذين منهم آل ربيعة أهل المجمعة، وعلى ذلك يكون السمين من آل جماز من آل أبو حسين من بني العنبر بن عمرو بن تميم.
وورد في هامش تاريخ الشيخ أحمد المنقور أن آل جماز المذكورين منهم آل ربيعة أهل المجمعة وآل جماز أهل ملهم وآل هبدان أهل الخيس وآل رشيدان أهل الجنوبية كلهم من بني العنبر بن عمرو بن تميم(1).
وفي مجموع ابن عيسى عند حديثه عن نزول السديري بلد الغاط على محدث التميمي ذكر أن محدث المذكور وآل حديثة وآل ربيعة أهل المجمعة وآل رشيدان أهل الجنوبية من آل بو حسين من بني العنبر بن عمرو بن تميم (2).
وقال الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى في مجموعه (3) عند حديثه عن آل ربيعة أهل المجمعة حيث ذكر: أن آل ربيعة أهل المجمعة من آل جماز المذكورين قال ومنهم السميّن الشاعر المشهور، هو صحيح فانه أي السميّن من أهل ملهم بلا إشكال والدليل على أن السمين من آل جماز قوله في قصيدة يخاطب بها جبر بن سيار:
يا جبر اني والعروق ضوامي
من آل جماز معم مخول |
والدته أيضا من آل جماز لأنه ذكر في البيت السابق أن أخواله من آل جماز عند مخاطبته لجبر بن سيار.
حياته
عاش السمين في القرن الحادي عشر وقد يكون مولودا في الجنوبية قبل انتقال أهله إلى بلد ملهم وقد يكون ولد في ملهم بعد رحيل أهله إلى هناك وكان آل جماز ممن كان لهم سطوة في بلد الجنوبية وسطوة على آل تميم من بني خالد.
ففي تاريخ محمد بن يوسف المخطوط ذكر أنه في سنة سبع وأربعين بعد الألف قتلوا آل جماز آل تميم في مسجد القارة (4).
كما سطى آل جماز عام 1103هـ على آل غنام من العناقر وقتلوهم واستولوا على بلد الجنوبية (5). وليس واضحا سبب انتقال أسرة السميّن إلى ملهم وقد يكون كثرة الفتن والقتل سببا في انتقالهم إلى هناك.
شعره
مما تقدم يتبين أن للسمين مخاطبات مع شعراء عصره ومن ذلك البيت الذي أورده الشيخ ابن عيسى مخطابا به الشاعر جبر بن سيار قوله:
يا جبر إني والعروق ضوامي
من آل جماز معم مخول |
وجبر بن سيار ممن عاش في عصر السمين حيث توفي عام 1085هـ (6).
ومن أبيات شعره أيضا ما ذكره الشيخ عبدالله بن محمد البسام في تاريخه عند ذكره لحادثة وقعت عام 1095هـ قال:
وفي ثاني ذي الحجة جاءت المكاتيب من الشريف أحمد بن زيد ومضمونها التلطف بالرعية والرحمة على البلد إلى حضوره وخرج الناس إلى لقائه ودخل مكة في موكب عظيم وفرح الناس به ونشر لواء العدل والإنصاف فحصل في القلوب هيبة وأمنت الطرق واستقر الناس واستمر في ولايته إلى سنة 1099هـ والشريف أحمد بن زيد (7) هو الذي يمدحه السمين بقوله:
قم أيها الرجل المقل المعدم
فالعجز باب مذلة لو تعلم |
إلى أن قال:
السيد السند المسمى احمدا
وافي ذرى العليا الأعز الأكرم (8) |
كما أشار إلى بيت من شعره السابق أيضا الشيخ البسام في تاريخه السابق حول حادثة وقعت عام 1276هـ حول فتنة وقعت في الشام بين المسلمين والنصارى وسببها أمر سياسي تحريكا من دول أوروبا بسبب العداوة بين الدروز والمارونية من النصارى وامتدت بسبب ذلك الفتن إلى جميع أنحاء سورية وكثر القتل والنهب وحصل عدة مذابح في طرابلس واللاذقية وزحلة ودير القمر ودمشق حتى عمت جميع الطوائف وصارت مذبحة دمشق التي قتل فيها نحو ستة آلاف نسمة وبعدها أرسلت جميع الدول إلى الباب العالي إما أن يسكن الفتنة وإلا أرسلت الدول عساكرها لإخماد الفتن فعند ذلك أرسلت الدولة العلية عساكرها لإخماد نار الفتنة مع فؤاد باشا ولسان حال الدولة ينشد ما قال السمين:
ابني وانتم تهدمون ولا يقفا
بان وخلف بنائه من يهدم |
التشابه في الاسم مع شاعر آخر
اشتبه شعر السمين التميمي مع الشاعر عامر السمين وذلك لشهرة عامر السمين ما جعل البعض ينسب شعر السمين التميمي إلى عامر السمين.
كيف نفرق بين شعر السمين
وعامر السمين
ما دام السمين قد عاصر جبر بن سيار ورميزان بن غشام فمن الأحرى أن تنسب الأشعار التي قيلت في الشريف أحمد بن زيد، وفي جبر بن سيار إليه وذلك لكونه ممن عاش في زمنهم أما الشريف بركات بن مبارك بن مطلب المتوفي عام 1025هـ فلا يظهر أنها للسمين لأنه ذكر أنه ينتسب فيها إلى عبد الحميد بن مدرك ولا علاقة لعبدالحميد بن مدرك بنسب السمين التميمي.
وفاته
توفي -رحمه الله- عام 1079هـ فقد ذكر الشيخ عبدالله بن محمد البسام المتوفى عام 1346هـ صاحب كتاب تحفة المشتاق في تاريخ نجد والحجاز والعراق في مفكرة خاصة له ص8 ومن مواضيعها:
بيان أيام وجود بعض شعراء النبط ووقت وفاة من وصل إلينا علم وفاته ومن عاش بعد ذلك ومما ذكر وفاته في سنة 1079هـ السمين من أهل ملهم ثم ذكر رميزان ووفاته سنة 1079هـ ثم ذكر جبر بن سيار ووفاته سنة 1085هـ.
وبعد.. هذا ما أحببت إيضاحه حول الشاعر السمين والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المراجع
(1) تاريخ الشيخ أحمد المنقور تحقيق عبدالعزيز الخويطر - والمخطوط ورقة 10
(2) مجموع الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ورقة رقم 72
(3) ورقة 235
(4) العلماء والكتاب في أشيقر للأخ عبدالله البسمي ج1 ص183 وانظر تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق للشيخ عبدالله البسام تحقيق إبراهيم الخالدي ص116
(5) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد للشيخ إبراهيم بن عيسى ص76
(6) نبذة في أنساب أهل نجد لجبر بن سيار تحقيق راشد العساكر ص72
(7) أحمد بن زيد بن محسن تولى ولاة مكة عام 1080هـ حيث أشركه معه أخوه سعد ثم هربا عام 1082هـ ثم تولى مكة مرة أخرى سنة 1095هـ من قبل السلطان بعد خلع سعد حتى توفي عام 1099هـ (مرآة الحرمين ج1 ص364) لإبراهيم رفعت باشا.
(8) تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق تأليف عبدالله البسام تحقيق إبراهيم الخالدي ص139 ويمكن مراجعة القصيدة كاملة في كتاب الشعر النبطي للدكتور سعد الصويان ص338 .
* ص.ب: 151191 الرياض: 11777
|