المبدع الفنان سواء كان شاعراً أو ناثراً يحترق بوهج الكتابة ثم يحترق بانتظار النشر ليصل صوته إلى الآخر سواء كان قارئاً عادياً أو ناقداً أدبياً ليشاركه فرحه وحزنه، معاناته الذاتية أو الاجتماعية أو معاناة أمته الإسلامية، ليشاركه وجدانه وفكره، ليطلع على الفن الأدبي الذي يمارسه ومستواه الفني، وقد كان الشعراء في العصر الجاهلي يعرضون شعرهم على النقاد مباشرة وكان من حكام الشعر في ذلك العصر النابغة الذبياني الذي فضّل الخنساء على الأعشى وحسان بن ثابت، ثم إذا جاء العصر الإسلامي واشتغل المسلمون بالجهاد وإعلاء كلمة الله - تعالى -، وتدفق الإنتاج الشعري للذود عن حمى الإسلام، تجد تشجيعاً دينياً لمنتج الشعر من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال لحسان بن ثابت - رضي الله عنه - (اهجوهم يا حسان وروح القدس معك) ثم في عصر بني أمية كان الشعراء يعرضون شعرهم في أسواق المربد ويتلقون إعجاباً من المتلقين ونقداً مباشراً من النقاد، وفي عصر بني العباس أصبح النقد أكثر فاعلية وأُلفت كتب نقدية مثل (طبقات الشعراء) لابن سلام وغيرها من كتب نقدية مثل (الوساطة بين المتنبي وخصومه) بل إن الشعراء أنفسهم كانوا نقاداً لبعضهم، فهذا أبو تمام قال ذات مرة للبحتري (أنت يا بني والله أمير الشعر غداً من بعدي) والمتنبي قال (أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري)، وفي العصر الحديث أصبح وصول صوت المبدع إلى المتلقين أكثر سهولةً وانتشاراً عبر المنابر الإعلامية وخاصة الصحف والمجلات، وقد كان الشعراء ينقدون بعضهم وفق مذاهبهم الأدبية، وقد ألف المازني والعقاد كتابهما (الديوان) الذي نقدا فيه حافظ وأحمد شوقي والذي فيه ما فيه من النقد لشخصية الأديب وإنقاص قدره فضلاً عن النقد غير الموضوعي لأدبه، وغيرها من كتب نقدية كثيرة لمحمد مندور وغيره، لكن في مثل هذه الحقبة الزمنية التي نعيشها الآن فإن المبدع الناشئ الذي يكتب عبر الصحف والمجلات خاصة يعاني من عدم التفات النقاد لأدبه شعراً أو نثراً عدا تلك التعقيبات البسيطة التي يكتبها بعض المحررين للصفحات الأدبية والتي لا توقف هذا الأديب الناشئ على حقيقة إنتاجه الأدبي، وجل اهتمام النقاد بالمبدعين الكبار خاصة من أصدر ديواناً شعرياً أو أكثر أو روايةً أو مجموعة قصصية أو أكثر، وقد لا يتوفر لهذا المبدع الناشئ ذلك خاصة أنه في حاجة لتوجيه الناقد في مرحلة مبكرة من كتابته الأدبية فهل يظل هذا الأديب محروماً من النقد الأدبي البناء حتى يصدر ديواناً شعرياً أو أكثر أو روايةً أو مجموعة قصصية واحدة أو أكثر؟! هذا هو السؤال؟!، ولأن هذا الأمر يهم السواد الأعظم من ناشئي الأدباء فإنني اقترح على الصفحات الأدبية والتي تعنى بالناشئة أن ترشح من له إنتاج شعري أو نثري وتقدمه للناقد ليلقي بنظرته النقدية حوله، هذا والله تعالى من وراء القصد.
وتقبلوا خالص تحياتي..
* جامعة أم القرى |