كنت قد أحكمت قراءة مقال جميل جاء في عدد (11640) من صرح جريدتنا المشوقة، وهو لأخي الكريم محمد بن ظافر العرجاني، وقد أبان فيه عن أسباب كامنة في الصروح العلمية كافة تؤدي إلى تربية خاطئة تدعو إلى غرس العنف ومن ثم حصاده من قبل المجتمع، هذه الأسباب - كما يراها - لها مسببات استشرت في الوسط التربوي والتعليمي، وللحقيقة فإن المقال لا يعدو أن يكون مقالاً تشخيصياً حسب فهمي له، فقد كنت أبحث في مقاله عن الحلول التي تقربنا إلى طريق النجاة، بيد أن أخي لم ينزع إليها، وتعويضاً منه عن ذلك فقد جنى جناية لا أظن له الحق فيها، فقد أسقط من حسبانه ومخزون علمه وجود أساليب مؤطرة تحد من وجود العنف والعدوان في المعلمين ذاتهم وكذا الطلاب، على أنه لم يشر بإشارة عابرة إلى فتور تسويقها أو متابعة الأخذ بها، بل ألقى اللائمة على الوزارة وأجهزتها، وكيف أنها غير مخولة إلى تقنين مثل تلك الأساليب، حين استقر هذا المفهوم عنده قال (إذاً، هناك خلل في أساليبنا التربوية إذا كان يوجد عندنا أساليب تربوية أصلاً). أرى أن أخي قد بالغ كثيراً وصادر ثوابت حاضرة!!
هذا التصور من لدنه أوجد انتقاصاً فيما يورده، واتهاماً بواحاً، مما حفزه لأن يقول (والمجتمع السعودي جزء لا يتجزأ من المجتمعات الأخرى، فقد ظهر السلوك العدواني بشكل واضح خاصة في المؤسسات التعليمية من قبل أفرادها الطلاب). ولست أدري علة هذا التضخيم لهذه الإشكالية التي جعله يطول غير دور التعليم! والذي يظهر لي- بلا عناء -
أن مثل هذه الدعوى ما هي إلا نظرة تشاؤمية، يسبقها عدم دقة في التحقيق وغياب مصداقية يفتقر إليها باحث طالب حق ومبدي نصح، فكل مجتمع لا يخلو من الأخطاء العفوية، أما أن يكون حكماً معمماً فلا أخال أن صاحب المقال يوافق عليه.
ومما استبشر به أخي العزيز تغيير المسمى من وزارة معارف إلى تربية وتعليم، إلا أنه لا يرى تغييراً ميدانياً لهذه التسمية التي ضمت التربية والعملية التعليمية، لهذا قال (ومع ذلك لم نلاحظ أي تطبيق ميداني لهذا الهدف). إذا نحن إزاء عدة اتهامات طالت الطالب أولاً ثم الأساليب التربوية، ثم المرشد الطلابي، ثم المعلمين ثم مديري المدارس، فما الذي بقي لنا في مدارسنا، ولقد كان بودي أن يتثبت أخي قبل أن يتجرأ بحسن نيته التي أقترب كثيراً إلى أنها لا تعدو أن تكون سبق قلم أو زلة، فربما سبق القلم إلى الخطأ ولم يؤخر الصواب، بل أسقطه ربما سهواً، دليل ذلك أنه طفق يتحدث عن مرحلة دراسية مبهمة، قبل أن يتحدث عن المرحلة الثانوية، إذ قال (وإن من المشكلات التي تواجه هذه المرحلة هي المشكلات...) أية مرحلة؟ لست أدري ماذا يعني، الابتدائية أم المتوسطة، فلا ريب أن هنالك فروقاً بينهما.لعل أخي يغيب عنه ما تنشره جريدتنا المعشوقة من تطبيق كثير من الأنظمة التربوية في حق عدد من الطلاب الذين استحقوا إيقاع تلك الأنظمة عليهم، وما تم ذلك إلا بعد أن زود المربي بأساليب تربوية متقدمة، اجتهد المعنيون في تفعيلها وحرصوا عليها، فكتاب دليل المعلم - مثلاً- يزخر بأساليب لا تغفل البتة، وما من مدرسة إلا وبحوزتها لائحة الأنظمة التربوية، نعم، قد تشذ بعض المدارس في تطبيقها، ولكن كلنا يعلم أن الشاذ لا حكم له ولا يقاس عليه، وهي قلة ولله الحمد.كما بودي أن يعلم أخي أن هذه الرؤية تؤذن بشر مستطير، وبمستقبل تقشعر منه الأبدان، فهون عليك يا أخي، وعليك أن تأتي البيوت من أبوابها، ثم احذر من صيغة التعميم، تحية طيبة لمن لا يزال على مرقى الوفاء.
أحمد بن عبدالعزيز المهوس/ماجستير في الأدب العربي الحديث
|