هل يعتصر قلبك الما اذا شاهدت القتلى والجرحى الفلسطينيين اطفالا ورجالا ونساء وشيوخا بعد ان تهاجمهم الدبابات والطائرات الإسرائيلية تجرب فيهم اسلحتها المختلفة؟ وهل تقف اللقمة في حلقك وانت تنظر لنساء نائحات على اطلال المنازل التي هدمتها الجرافات امام عدسات الكاميرا وكأنها تصور فيلما من افلام الرعب الامريكية؟ وهل ترقرقت دمعة حرا وحيرى في عينيك وانت تشاهد كهلا يذرف دمعه ما دار بخلده انه سيذرفها في آخر ايامه؟ وهل أشحت بوجهك عن الشاشة عندما شاهدت طفلا تحمله امه تركض به في كل الاتجاهات تبحث له عن حليب وسط صراخه وعويلها؟ اجمع تلك المآسي التي يمر بها الشعب الفلسطيني الآن وضعها في صورة واحدة مؤلمة حاول ان تتعايش معها إلى وقت قصير لن يطول! وهو لن يطول لان هناك من يقول لك لا داعي للقلق فقريبا جدا (على طريقة المعلنين) سيوقف العرب عرض مشاهد المأساة الفلسطينية لتوضع في متحف التاريخ العربي مثلها مثل مذبحة دير ياسين وصبرا وشاتيلا ومذبحة مدرسة بحر البقر وغيرها لكن هناك مشكلة في غاية البساطة وهي ان الايقاف الفوري مشروط ومرهون بموافقة (ارئيل شارون) على اجراء مفاوضات مستفيضة وشاملة معهم!
المشكلة الآن ليست القتلى والجرحى والمشردين والمبعدين والمنتهكة حقوقهم والمسجونين والمقصوفين بالطائرات والمهدمة بيوتهم والمحاصرين والمقعدين واليتامى والارامل والذين يزيدون في كل يوم! فكل ذلك يمكن ايجاد الحلول المضمونة له بعد اجراء المفاوضات! لهذا ينبغي من الجميع التحلي بالصبر والاكثار من الدعاء بأن يوافق شارون على اجراء مفاوضات فهذه هي المشكلة الاساسية الآن! المفاوضون العرب سواء صغار المفاوضين او كبار المفاوضين واثقون ثقة (عمياء) انه فيما لو وافق شارون على اجراء مفاوضات فسيقنعونه بأن يوقف جرائمه التي اصبحت مكررة وربما ستهدد عملية السلام دون ان يقصد!! وتلك الثقة تنبع من معرفتهم أنهم أسياد الكلام وافضل شعوب الارض في هذا المجال ولذا فإن الكلام وبما انه (اخذ وعطا) فسيؤدي مفعوله السحري حتى مع شارون! وهم يؤمنون ايضا بأن ( الكلام اللين يغلب الحق البين) ويضمنون أن شارون سينهزم امام آلة الكلام العربية التي مكثوا أكثر من ستين سنة وهم يجربونها واذا كانت اثبتت فشلها في السابق فذلك يرجع للظروف المحيطة وليس لنوعية الكلام نفسه وقدرات المتكلمين! خاصة وانه الآن - وهذا يعلن لاول مرة - انه وبعد تجارب ناجحة فقد تم اختراع كلام (مطور) اضيف اليه الكثير من العبارات الرنانة والمؤثرة ومزيد من الصور البلاغية ومدعم ببعض أدوات الجزم والنصب مما يناسب الاوضاع الدولية الراهنة وهذا المطور فعال جدا ولو تم توجيهه للجدار العازل لهدمه! ولعل السبب الحقيقي الذي يجعل شارون يماطل ويسوف ويلغي المواعيد الخاصة بالمفاوضات رغم انها جاءت من خلال واسطات ووجاهات غربية انه (يخاف) ومن يلومه!! وكما يقال من خاف سلم! وله حق ان يخاف من منازلة العرب في الكلام لانه متأكد من هزيمته فهو لا يمكن ان يجاريهم في هذا المضمار فهو رجل عملي وميداني ليست لديه بلاغة في الكلام وهنا تختلف التخصصات والقدرات! ايها الفسطينيون ايها العرب ثقوا بتلك الملفات المليئة بالكلام التي يحملها السياسيون المفاوضون الذين وقفوا منذ عدة سنوات امام بوابة شارون الحديدية بدون يأس او كلل او ملل ويحسب لهم ثباتهم على مبدأ المطالبة بالحوار والكلام! واطمئنوا فبعد ان يوافق على اجراء مفاوضات فستنتهي كل المآسي! وسيعود الحق لاصحابه بل وسيحل السلام العادل في المنطقة، لكن متى يوافق شارون ومتى يتخذ القرار التاريخي ويوافق على ان نفاوضه هذا هو السؤال؟
يؤكد احد المراقبين ان تهرب شارون الواضح من الموافقة على مطالبات العرب المستميتة والملحة للجلوس إلى طلعته البهية لعقد مفاوضات هو خوفه الشديد من ان يقنعه بل و(يجبره) المفاوضون اجبارا على سحب دباباته وايقاف قصف طائراته وازالة مستوطناته واعادة الأراضي المصادرة وهدم الجدار العازل بل والاعتذار عما بدر منه من جرائم!
يخاف ان يحصل ذلك قبل ان ينهي مهمته في جنين ورفح وغزة وباقي مدن وقرى واراضي المناطق الفلسطينية المحررة!! ومن هنا نعرف لماذا يصر العرب على المفاوضات ويصر شارون على رفضها!!
|