إنّ تربية طفلٍ متميَّز يتمتّّع بالصحة والسلامة العاطفية والحس الأخلاقي النبيل حلم يحلم به كل أبوين ويسعى إليه كل مجتمع، لكن ذلك لن يأتي صدفة أو عبر برامج تربوية عابرة، وإنما لا بد من جهد تربوي وبرامج فعالة تساهم في غرس نمطي الاستقامة والقيم في الأبناء مدى الحياة، وذلك عبر جسر من التواصل والتكامل بين الوالدين بشكل خاص والمربين على وجه العموم.
وكلنا يؤمن بالأثر السلبي الذي تخلفه بعض البرامج المقدمة للأطفال على مفاهيمهم وقيمهم ونظرتهم للواقع وسلوكهم خصوصا برامج العنف والرعب والجنس.
إن إدخال العنف كنوع من الإثارة والجذب يُعد نوعا من الجريمة في حق الطفل، خاصة وان هذا العنف الذي يشاهدونه يظهر في لعبهم ورسومهم، وقد يؤدي إلى ابتكار أساليب جديدة للسلوك السيىء.
ولقد ارتفعت أصوات عديدة للحد من ظاهرة العنف لدى الأطفال. فالسيدة راويال النائبة في البرلمان الفرنسي، والباحثة في (المعهد الوطني للبحوث العلمية) قامت بتحقيق عميق استنتجت من خلاله أن الأطفال من سنتين إلى سبع سنوات يتعلقون بالصور الغريبة والسخيفة، وترى بأن العنف بجرعة قوية يقود المشاهد إلى التنفيذ (دليل المحتار في تربية الصغار، بثينة السيد العراقي، دار طويق ص 243 - 244).
وفي يناير من عام 1995م عرض فيلم ثقافي وثائقي يناقش الآثار الضارة لمشاهد العنف على الأطفال، وكان من ضمن تلك المشاهد اللاذعة والمقززة مشهد يظهر غرفة مليئة بالصغار ما بين عدة أشهر وعشر سنوات، وهم يشاهدون التلفاز ذات صباح، وكانوا قد عثروا على شريط فيديو لفيلم رعب يصور سفاحا يعتدي بوحشية على ضحية عاجزة، مستخدما في ذلك سكيناً، كانوا في مواقعهم تلك، وهم يشاهدون هذه المشاهد الدموية قد تحولوا أيضاً لضحايا، فقد ثبتوا وتحجَّروا في أماكنهم، مصعوقين بمشاهدة تلك المذبحة البشعة، غير قادرين على إغلاق التلفاز (كيف ينشىء الآباء أبناء عظاما، د.آلان ديفيدسون، وروبرت ديفيد سون، مكتبة جرير ص 241 - 242).
إن هناك سؤالا ملحا يطرح نفسه علينا، هل أبناؤنا مهيؤون للتعامل مع بعض البرامج الصيفية الترفيهية التي تصبُّ في عقولهم وتصرخ في آذانهم.
إنني أتساءل عن تربية العنف التي تمنحها لأطفالنا بالمجان بعض المهرجانات الصيفية في بعض مناطق مملكتنا الحبيبة، فتخيَّل معي عقلية طفل يشاهد عروضا للرجل الحديدي ذلك الذي يكسر على صدره الحجر المشتعل نارا، وينام على المسامير ويثني الحديد بعينه أو نحره وتمرُّ عليه السيارة.. كيف يكون وقع ذلك على الطفل الذي من طبعه التقليد، كيف إذا كان المقلَّد بطلاً كما يسمعه من المعلقين على تلك العروض.
إنه بلا شك سيحاول التقليد لذلك البطل، إما على نفسه أو على أقرانه ومن هم في سنه، ولا تسأل بعد ذلك عن النتيجة، ولقد حصل أن وجد أحد زملائي ولده يمارس كسر الحجر على صدر أخته، وآخر استبدل بالحجر (المركى) لأن الحجر ليس في متناوله.
وجانب آخر يحسن أن ننتبه إليه وهو ما تتركه تلك العروض على سلوكيات الأبناء، من الجنوح نحو العدوانية فالحديد والصخر يناسبان سَقْيَ الغريزة عنده بالبطولية والشجاعة التي تصب في حيِّز التحدي.
وهل يجدي أن يحذر المعلق بين فينة وأخرى أولئك الاطفال الذين يشاهدون العرض البطولي بأن لا يفعلوا مثل هذا الفعل ولا يقلدوا...
وليت الأمر وقف عند مساحة هذه العروض، وإنما يبث عبر الأقمار عن طريق بعض القنوات الفضائية. وذلك مما يزيد الأمر انتشاراً، ويمنحه مصداقية، ويزيد من واجبنا في بيان مخاطره على عقلية أطفالنا.
وأخيراً ما المانع ان تكون هذه العروض خاصة بالكبار؟ ولا يشاهدها الصغار.
|