يمكن القول إن الفصل الدامي في العراق هو مقدمة لفترات أكثر دموية؛ فالدم المهدر يومياً وبطريقة بشعة ومكثفة يعمل على تراكم ثارات ستنطلق في أول فرصة قادمة.
وكلما استمر هذا القتال في النجف وغيرها فإن علينا التيقن أن الأسوأ لا بد أنه آتٍ. ففي العراق تكاد تنعدم مقدمات كل ما تم التبشير به من عهد جديد وديمقراطية رائدة ونموذجية؛ لأن مثل هذه الأشياء لا تنبع من فراغ، ولا تأتي من العدم، بل تستوجب عملاً دؤوباً ودروساً عملية وتجارب على الأرض تغري بالاهتمام بها وتبنِّيها والتوق إلى تجربتها، وهذا لا يتأتى من الأسلوب العسكري الغالب في كل الممارسة العراقية.
الانزلاق الحالي باتجاه العمل العسكري والإمعان في ذلك لا يترك كبير مجال لمعالجات سياسية فعالة، فالحالة العسكرية الحربية في النجف على سبيل المثال وجدت أصداء لها في أنحاء كثيرة، واشتعلت تبعاً لها مدن عديدة من الكوت إلى العمارة إلى الديوانية ووصلت إلى العاصمة ذاتها؛ حيث الوضع يهدد بانفجار كبير.
وفي ذات الوقت انحسرت احتمالات العمل السياسي والوساطات السلمية لعدة أسباب، لعل من أهمها غلبة التحدي العسكري، وخصوصاً من قِبَل القوة الرئيسة التي تضطلع بالعمليات العسكرية الولايات المتحدة التي ترى أنها طالما دخلت معركة فينبغي أن تكسبها، خصوصاً في مواجهة مليشيات.
ولا يعرف ما إذا كان الوصول إلى بيت مقتدى الصدر يشبع التطلعات الأمريكية في هذه المعركة؛ أي أنها ستكتفي بذلك أم ستطلب ما هو أكثر من ذلك. وبينما تنطلق أصوات من الحكومة العراقية المؤقتة بضرورة التهدئة في النجف، بل وخروج القوات الأمريكية والحد من القصف الجوي، فإنه من الواضح أن العلاقة بين الحكومة المؤقتة والقوات متعددة الجنسيات تتعرض لاختبار، فالعلاقة كما جرى تحديدها ينبغي أن تكون تشاورية، وأن تجري كافة العمليات العسكرية بعلم ورضا الحكومة المؤقتة. وقد أكدت الحكومة أن العمليات في المناطق ذات الحساسية الدينية في النجف ستكون حكراً على القوات العراقية، وذلك في توضيح منها رأت أنه ضروري في إطار تلك العلاقة مع القوات متعددة الجنسيات.
والمهم أن نهايةً سريعةً للقتال يمكن أن تحول دون المزيد من الخسائر، وستفيد كثيراً في نجاح الوساطات، بينما الاستغراق في القتال سيغري فقط بالمزيد من القتال.
|