ربما لم يشأ الجنرال الأمريكي الذي قاد الحرب ضد كل من العراق وأفغانستان الانتظار طويلاً حتى يصدر مذكراته في كتاب. فالمؤكد أن قواعد صناعة الإعلام والنشر والتسويق في الولايات المتحدة لعبت دوراً في السرعة التي أخرج بها الجنرال المتقاعد كتابه قبل مرور أكثر من عامين على خروجه من الخدمة العسكرية. فالجنرال الأمريكي المتقاعد تومي فرانكس كان قائداً للقيادة المركزية الأمريكية التي تتولى مسؤولية 25 دولة من دول الشرق الأوسط وآسيا الصغرى. وبحكم هذه المسؤولية تولى الرجل قيادة الحربين الأمريكيتين ضد كل من أفغانستان في أكتوبر 2001 والعراق في مارس (2003).
الكتاب : Soldier American
المؤلف : Franks Tommy
الناشر: Regan Books
حمل الكتاب الذي كتبه تومي فرانكس عنوان (جندي أمريكي). وفي هذا الكتاب اعترف الرجل بفشل المخابرات الأمريكية في أكثر من قضية وكان أهمها من الناحية السياسية قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية التي كانت المبرر الأساسي للحرب من وجهة نظر الإدارة الأمريكية والتي لم تتمكن القوات الأمريكية من العثور على أي أثر لها بعد احتلال العراق.
أما على الصعيد العملياتي فقد فشلت المخابرات الأمريكية في إبلاغ قيادة القوات الأمريكية وعلى رأسها فرانكس بقيام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بإرسال مئات الشاحنات والحافلات المحملة بعناصر مسلحة شبه عسكرية لشن حرب عصابات ضد القوات الأمريكية والبريطانية في بداية الحرب في مدن الجنوب العراقي. وقد تحملت القوات الغازية تبعات هذا الفشل المخابراتي عندما وجدت نفسها في مواجهة مقاومة شرسة ومعارك شوارع لم تكن مستعدة لها، الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حول سلامة خطة الحرب الأمريكية ضد العراق من الأصل.
ويتضمن الكتاب توثيقاً لرحلة فرانكس في الحياة منذ طفولته في ولاية تكساس، مسقط رأس الرئيس الأمريكي جورج بوش. ثم حياته العسكرية منذ التحاقه بالقوات المسلحة الأمريكية كضابط مدفعية في حرب فيتنام التي انتهت بهزيمة مخزية للأمريكيين.
وقد أصيب تومي فرانكس في هذه الحرب ثلاث مرات. ويواصل الكتاب استعراض مراحل حياة صاحبه العسكرية كقائد متفتح في الحرب الباردة ومخطط في حرب تحرير الكويت المعروفة باسم (عاصفة الصحراء).
وفي يوليو 2000 تولى فرانكس قيادة القيادة المركزية الأمريكية التي تشمل أخطر منطقة على كوكب الأرض وهي منطقة الشرق الأوسط وآسيا الصغرى.
كما يتضمن الكتاب اعتماداً على الكثير من الوثائق العسكرية غير المحظورة أول صورة واقعية لكواليس الحرب الأمريكية ضد الإرهاب على لسان واحد من أهم الشخصيات في هذه الحرب.
يضعنا الكتاب في داخل مركز العمليات الأمريكي الذي قاد عملية (الحرية المطلقة) ضد أفغانستان بعد أسابيع قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (2001).
كما يتتبع الكتاب العلاقة المتوترة بين القائد العسكري ووزير الدفاع المدني دونالد رامسفيلد. وكتب قائد القيادة المركزية الأمريكية يقول: إنه في الأيام الأولى العصيبة للحرب في أفغانستان بلغ التوتر بين الرجلين حداً دفع فرانكس إلى تقديم استقالته من منصبه. وكان رد رامسفيلد على ذلك هو القول بأن هذا الجنرال يحظى (بكامل ثقتي). وبعد هذا الموقف تحول التوتر بين الرجلين إلى تعاون وصداقة كاملين. ورغم ذلك تضمن الكتاب نقداً لاذعاً لعدد من أبرز المسؤولين المدنيين في وزارة الدفاع مثل وكيل وزارة الدفاع دوجلاس فيث.
ويؤكد الجنرال ما جاء في كتاب (خطة الهجوم) لبوب ودوارد حول الخلافات بين فرانكس وفيث.
يقول فرانكس عن وكيل البنتاجون دوجلاس فيث: إنه (صاحب الأسئلة الخارجة عن السياق، والتي غالباً ما لا تكون لها أدنى علاقة بالمشاكل العملياتية. وكنت بصورة عامة أتجاهل مساهماته). وخص فرانكس فيث بأقسى تعبير حيث نعته ب (أغبى شخص على وجه الأرض). كما أشار فرانكس إلى أن مبعث قلقه من إمكانية تعرض القوات الغازية لهجمات بأسلحة محظورة وبخاصة أسلحة بيولوجية أو كيماوية كانت تلك التحذيرات التي تلقاها قبل بدء الحرب. ويحاول تومي فرانكس في كتابه تحليل الانتصارين العسكريين اللذين حققهما في أفغانستان والعراق. ولكن ما حققه فرانكس وبخاصة في العراق هو محل دراسة الكثيرين ليس فقط باعتباره نجاحاً ساحقاً من خلال تحقيق انتصار عسكري سريع اعتماداً على حشد قوات قليلة العدد جيدة التسليح وسريعة الحركة ولكن أيضاً باعتباره فشلاً ذريعاً في ضوء الفوضى وانهيار الأمن وفقدان القوات الأمريكية للسيطرة على الموقف بعد الحرب. وفي فقرات تصب المزيد من الزيت على نار الجدل المشتعل بشأن اتهام القيادة المدنية والعسكرية لوزارة الدفاع الأمريكية بشن الحرب ضد العراق دون حشد القوات الكافية لذلك كتب فرانكس يقول: إن العديد من التقارير والدراسات والخطط التي وضعت للحرب ضد العراق ذكرت أن الحد الأقصى للقوات البرية المطلوبة في نهاية المعارك وبداية مرحلة ما بعد الحرب تبلغ 250 ألف جندي. وأضاف أن الاستيلاء على بغداد بسرعة وسهولة تم اعتماداً على 170 ألف جندي من القوات البرية التقليدية. ومن المعلومات التي كشفها الكتاب وجود ضابط أمريكي كان عميلاً مزدوجاً للمخابرات الأمريكية والمخابرات العراقية.
حيث كان هذا الضابط يعمل بالفعل لصالح الأمريكيين ولكنه خدع المخابرات العراقية وأدعى أنه عميل لهم وقدم خططاً مزورة باعتبارها خطط الحرب الأمريكية المنتظرة ضد العراق. وكانت هذه الخطط تحمل اسم (خطوة البولو) والبولو هي لعبة رياضية تشبه الهوكي وتمارس من على ظهور الخيل. وأطلق فرانكس على هذا الضابط اسم (كذبة إبريل).
وقد أبلغ هذا الضابط العراقيين بأن الفرقة الرابعة مشاة الأمريكية التي رفضت تركيا السماح لها بشن الحرب على العراق من أراضيها سوف تتمركز في الأردن لتهاجم العراق من الغرب وليس من الجنوب والشرق عبر البحر كما حدث بالفعل. ووجه الكتاب انتقاداً شديداً للجنرال إريك شارنسكي رئيس أركان الجيش الأمريكي قبل الحرب بسبب الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس قبل الحرب وقال: إن أمريكا في حاجة إلى مئات الآلاف من الجنود حتى تضمن تحقيق الانتصار في أي حرب ضد العراق وفرض سيطرتها على الموقف بعد الحرب. وقال فرانكس في الكتاب إنه وفريقه ناقشوا مرحلة ما بعد الحرب في ضوء (تخطيطهم) للحرب نفسها. كما أكد الجنرال الأمريكي رفضه المسبق لرئيس المؤتمر الوطني العراقي المعارض في المنفى في ذلك الوقت أحمد جلبي وبالتالي المعلومات المخابراتية والاستشارات التي كان الجلبي يقدمها للمخابرات الأمريكية. وقال فرانكس إن جلبي (كان بعيداً جداً عما يحدث في العراق بحيث لا يمكنه أن يعرف ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار هناك بعد الحرب). وعن مهمة الجنرال المتقاعد جاي جارنر الذي كان أول مسؤول أمريكي عن إعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق وذلك قبل قيام الحرب كتب فرانكس: إن جارنر الذي كان من اختيار دونالد رامسفليد وزير الدفاع الأمريكي لتولي مسؤولية مكتب إعادة الاعمار التابع للوزارة (أمضى أسابيع في المشي بين طرقات الإدارة الأمريكية حاملاً قبعته في يده). فقد كان (يريد المال والرجال) حتى يتمكن من القيام بالمهمة الصعبة التي ألقيت على عاتقه. وأضاف فرانك أن جاي جارنر لم يكن يمتلك (لا المال ولا مجموعة القرارات السياسية الشاملة التي تغطي كل عناصر إعادة البناء والعمل المدني وإدارة الشؤون العراقية). كما شن فرانكس هجوماً على المشرف السابق على مكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك، الذي نشر أخيراً كتاباً بعنوان (حول الإرهاب) انتقد فيه بوش بشدة، بأنه رجل يتحدث كثيراً ولا يفعل إلا القليل. ويقول الجنرال عنه إنه (لم يقدم توصية عملياتية واحدة، أو معلومة مخابراتية واحدة يمكن التصرف على أساسها). وكانت أكبر مفاجأة واجهها فرانكس خلال حرب العراق، تتمثل بعدم عثوره على أسلحة الدمار الشامل (التي كانت سبباً لخوض الحرب). وصف القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية عدوه الرئيسي أسامة بن لادن أنه ليس (خصماً لدوداً) فحسب بل أيضاً (إرهابي جريء لقوات قادرة تكرس نفسها (لتحقيق أهدافها)). وتحدث عن صعوبة العثور على بن لادن، مشيراً إلى عدم وجود معلومات كافية اليوم عن زعيم (القاعدة). وكشف فرانكس جانباً آخر من الحرب جرى التكتم عليه وهو القصف الكاسح لمواقع قوات (الحرس الجمهوري) جنوب بغداد على مدى ثلاث ليال خلال العاصفة الرملية التي عرقلت المراحل الأولى من النزاع. إذ شنّت طائرات التحالف (واحدة من أعنف حملات القصف وأكثرها فاعلية في تاريخ الحروب) لكن (أحداً في وسائل الإعلام العالمية لم يدرك ذلك). ولم يتجاهل القائد الأمريكي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كتابه وقال: إنه يؤيد الحقوق العربية الفلسطينية الأمر الذي دفعه إلى عدم التوجه نهائياً إلى إسرائيل. ولفت الجنرال إلى أنه سعى على الدوام إلى طمأنة العرب إلى أنه في جانبهم وليس في صف إسرائيل. وأوضح في كتابه (لقد أبلغت أصدقائي العرب منذ سنوات أن جواز سفري لا يحمل تأشيرة دخول إسرئيلية). وأضاف (كان ذلك أسلوباً غير رسمي لإبلاغهم بأنني أتفهم جانبهم من القصة (الصراع العربي الإسرائيلي)). وأشار فرانكس أن كولن باول تخطى التسلسل القيادي في البنتاجون واتصل به مباشرة في سبتمبر 2002 ليعبر له عن قلقه بشأن خطة غزو العراق. وذكر أن باول قال له: (هناك مشكلة في حجم القوة، وفي قوة الدعم المتوفرة لها، خاصة في ضوء هذه الخطوط الطويلة). ولفت إلى أن باول حذره بأنه سيثير هذه القضايا مع بوش. وكانت ملاحظات باول حول حجم القوة استباقا لتعليقات مشابهة أبداها جنرالات متقاعدون كثيرون عندما بدأت الحرب بعد ستة أشهر من محادثة باول. ولكن الجنرال لم يعط وزناً كبيراً لآراء باول، موضحاً أن الرجل الذي كان رئيساً لهيئة الأركان أثناء حرب الكويت (لم يعد يرتدي الزي العسكري الأخضر).
وذكر أن من حق وزير الخارجية أن يبدي وجهة نظره، ولكنه قد تخلى عن أية مسؤولية في هذا الجانب عندما تقاعد من منصبه عام (1993). وفي انتقاده الوحيد والواسع لإدارة بوش في إدارتها للحرب ضد العراق، يلقي فرانكس اللوم على باول ورامسفيلد، لأنهما لم يبذلا جهداً كافياً لتخفيف التناقضات بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع. ويقول في هذا السياق (أعتقد أن الاستماع بصورة أكثر انتباهاً، والمزيد من المرونة الأيديولوجية، والمزيد من الرغبة في التعلم والوصول إلى الحلول الوسط، كان سيخدم قائدنا العام وبلادنا بصورة أفضل). ولكن القائد السابق لا يدخل في تفاصيل النزاعات بين الوزارتين التي أزعجته كل ذلك الإزعاج. وأخيراً فرغم أن فرانكس معروف بين أقرانه بكلماته الحادة الجارحة والسوقية، فإن كتابه هذا حاول أن يضفي على نفسه لمسة من العقلانية والثقافة فتضمن الكثير من الاقتباسات من أعمال الشاعر البريطاني الأشهر وليم شيكسبير ومؤسس الفكر العسكري الحديث كلاوس فيتز وغيرهما. يشار الى ان تومي فرانكس قائد القيادة المركزية الأمريكية سابقاً بدأ حياته العسكرية ملازماً ثانياً عام 1967 في ذروة الحرب الفيتنامية. وتدرج في المناصب العسكرية حتى وصل إلى منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية. وتقاعد الرجل في أغسطس (2003).
|