صدرت مؤخراً كتب أمريكية تنادي برحيل الرئيس الأمريكي جورج بوش من البيت الأبيض، وترى هذه الإصدارات أن هذا الرئيس قد عرّض مصالح الولايات المتحدة للخطر، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أكثر مما كان قبل هذه الأحداث، وترى هذه الإصدارات أن الوضع الداخلي للرئيس ليس جيداً، وفاق كل التوقعات وخسر كل المكتسبات التي أنجزها قبله الرئيس بيل كلينتون.. ومن هذه الإصدارات كتاب (الرئيس جورج بوش يجب أن يرحل) لمؤلفه بيل برس Bill Press.. ويعتبر برس من الإعلاميين المشهورين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يكتب بانتظام في عدد من الصحف الأمريكية، كما أنه مذيع مشارك في برنامج ال(cnn الشهير crossfire) وفي برنامج آخر مع الإعلامي والسياسي الشهير بوكانون.. وقد سرد أسباب رئيسة رأى أنها جديرة بحجب الثقة عن تجديد فترة ثانية له.
1- الحرب في العراق: فلم تكن مبررة بأي منطق كان.. وقد كذب على الأمريكيين قبل أن يكذب على العالم.. فقد كانت الأسباب التي دخلت من أجلها الحرب في العراق، هي غير تلك الأسباب التي استمر بوش يدّعيها بعدما اكتشف أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن موجودة في العراق.. ولهذا فقد بدأ يزين أسباب أخرى تبرر استمرار جيش أمريكي ضخم على أراضي دولة مستقلة مثل العراق.. ويرى المؤلف أن صدام حسين هو دكتاتوري مجرم، ولكن ليس مبرراً أمام أخلاقيات السياسة الأمريكية أن نتدخل بهذا الشكل ونغير نظاماً شرعياً في دولة معترف بها في الأمم المتحدة.
2- الحرب على الإرهاب: رأي الرئيس جورج بوش أن الحرب على الإرهاب ستحول أمريكا إلى بلد آمن، ولكن الحقيقة المرة أن هذا لم يتحقق لأمريكا، بل إن الإجراءات التي اتبعتها الولايات المتحدة أدت إلى تحويلها إلى بلد عرضة لعمليات إرهابية أكثر من قبل الحادي عشر من سبتمبر.. وما تأسيس أول وزارة للداخلية والأمن إلا انعكاس لهذه المخاوف وعدم الاستقرار.
3- الحرب على الأمريكيين: فخلال الثلاث سنوات والنصف التي قضاها بوش في البيت الأبيض، فقد حوالي ثلاثة ملايين أمريكي أعمالهم.. وهذا يعتبر رقماً كبيراً إضافياً إلى حجم البطالة الأمريكية.. ومن المقارنات الكبيرة بين الرئيس جورج بوش وبين الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وجد المؤلف أن فترة كلينتون التي استمرت ثماني سنوات جلبت للقوى العاملة الأمريكية أكثر من اثنين وعشرين مليون وظيفة جديدة، بينما تمكن بوش خلال فترة ثلاث سنوات ونصف تقريباً من أن يخسر ثلاثة ملايين وظيفة.
4- العجز في الميزانية: فقد تمكن بوش أن يحول الميزانية التي ورثها من الرئيس بيل كلينتون من حالة فائض إلى حالة عجز.. حيث استلم الرئيس بوش الميزانية من كلينتون وبها فائض وصل إلى أكثر من مائة بليون دولار، ولكن استطاع خلال السنوات الثلاث أن يحولها إلى عجز كبير، وقد وصل العجز في نهاية عام 2003م إلى 374 بليون دولار، ومن المتوقع أن يصل العجز - تقديرياً - في نهاية عام 2004م إلى حوالي 520 بليون دولار.. ويقول المؤلف إن الرئيس بوش يتحجج دائماً بأحداث 11 سبتمبر، ولكن الوثائق تشير إلى أن إدارة الرئيس بوش تمكنت من القضاء على فائض الميزانية في أغسطس عام 2001، أي قبل شهر واحد من تلك الأحداث.
5- الحرب على الحريات: تمكن الرئيس بوش من أن يحول الحريات التي كانت تنعم بها أمريكا إلى قيود وسلاسل وضغوطات، ويرى المؤلف أنه إذا كان هناك سبب واحد لرحيل بوش في الانتخابات القادمة فليكن ذلك السبب هو جون اسكروفت وزير العدل، الذي جنّد كل الخيالات الممكنة من أجل أن يقلب الحياة الأمريكية إلى جحيم.. وأصبح الأمريكي تحت مراقبات دقيقة تحت اسم قانون المواطنة الأمريكي الجديد الذي ابتدعه بوش.. حتى إن الأمريكي عندما يستعير كتاباً من مكتبة عامة فيكون قد وقع تحت طائلة مراقبة أجهزة المباحث الفيدرالية الأمريكية، ناهيك أن استخداماته للإنترنت، وللتداولات البنكية وغير ذلك.
6- الرضوخ لأصحاب المصالح الكبيرة: فقد جنّد الرئيس بوش إمكاناته الدستورية لدفع مستحقات داعمي حملته الانتخابية، فقد عيّن أكثر من عشرين منهم سفراء في مختلف دول العالم.. كما أنه قد باع سياسات الطاقة والبيئة والصحة وغيرها لأصحاب المصالح الكبرى في المجتمع الأمريكي.
7- السياسة الخارجية: تمكن الرئيس جورج بوش من أن يخلط الأوراق في السياسة الخارجية الأمريكية، وبدل الادعاء أنه ستكون هناك سياسة خارجية متواضعة في بداية حملته الانتخابية، وجد نفسه متورطاً في كل منطقة وموضوع دولي، وتمكن بوش من أن يحول العالم كله إلى مجموعة كبيرة من الأعداء، باستثناء بريطانيا وأستراليا. وهذا يعكس رؤية قصيرة الأمد في السياسة الخارجية للرئيس بوش.
8- الحرب على البيئة: تشير القرارات والسياسات التي نفذها بوش خلال السنوات الأخيرة إلى أنه عدو البيئة الأول، فقد حابى في تعييناته شخصيات معظمها من شركات نفط وغاز وطاقة، ولا يكترثون للبيئة أو للقضايا التي ينادي بها البيئيون، لاسيما أن موضوع البيئة كان قضية كبيرة خلال الحملة الانتخابية التي خاضها بوش ضد رجل البيئة الأول في الولايات المتحدة آل جور.
9- الحرب على الوعود الانتخابية: لقد أكثر الرئيس بوش من وعوده الانتخابية، ولكنه أكثر من تحطيم هذه الوعود.. فقد وعد أن يخفض الميزانية الفيدرالية، ولكنه أخلف هذا الوعد.. وقد وعد أن يخفض من هيكلية الحكومة الفيدرالية، ولكنه زادها وضاعفها.. وقد وعد أن تكون له سياسة خارجية متواضعة، ولكنها تبني سياسة خارجية متغطرسة .. ووعد أن يصنع وظائف جديدة، ولكن تمكن من تسريب ملايين الوظائف وزيادة أرقام البطالة.. وقد وعد أن يخفض الضرائب على الطبقة الوسطى، ولكنه خفضها فقط على الطبقة العليا.
10- الافتقاد إلى المصداقية: افتقد الرئيس جورج بوش إلى المصداقية تماماً سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.. فقد ادعى وجود أسلحة دمار شامل في العراق، ولكنه لم يجدها.. وقد ادعى أن الضرائب التي سيفرضها على الطبقة العليا ستجلب خمسة ملايين ونصف مليون وظيفة جديدة، ولكنه لم يتمكن من تنفيذ ذلك.. وقد ادعى بوش أنه سيدافع عن الدستور الأمريكي، ولكنه في نهاية المطاف خالفه وحوّل الأمريكيين إلى أدوات مكبلة داخل أنظمة ابتدعها بوش بحجة محاربة الإرهاب.. وادعى بوش أنه سيخدم الشعب الأمريكي، ولكنه أخيراً قدّم جلّ خدماته إلى أصحاب المصالح والشركات الكبيرة.. وادعى بوش أنه هو الذي سيوحد الأمريكيين - بعد الانقسام الانتخابي في فلوريدا - ولكنه بدلاً من ذلك قسّم الشعب الأمريكي إلى قسمين.
وختاماً، يهدي بيل برس سبباً أخيراً (حادي عشر) ليقنع به الأمريكيين أنه قد جاء الحق وينبغي أن يتعاون الجميع على إخراج الرئيس جورج بوش من البيت الأبيض، وهذا السبب هو كون بوش قد سرق الانتخابات من آل جور.. وذلك للأسباب التالية: أن جور قد حصل على حوالي نصف مليون صوت أكثر من مجموع الأصوات التي حصل عليها جورج بوش.. وأن أكثر من 175 ألف صوت لم يتم احتسابها في فلوريدا.. ولم يفز بوش برغبة الشعب، ولكنه فاز بقرار من المحكمة العليا التي رفضت نتائج تصويتات فلوريدا.
*رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|