في مثل هذا اليوم من عام 1818 ولد أحد بناة النهضة الأدبية والعلمية العربية في لبنان والشرق؛ المستشرق كورنيليوس فاندايك. وهو أحد أبرز أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت منذ قيامها. وصل إلى لبنان عام 1840 وكان عمره 21 سنة. وأتقن العربية واليونانية والعبرية والسريانية. كما عمل طبيباً في مستشفى الروم في بيروت، والمستشفى الألماني في بيروت كذلك زهاء خمسة وعشرين عاماً. والاستشراق هو تعلّم علوم الشرق الإسلامي، وتطلق كلمة الاستشراق على الدراسات التي يقوم بها غير المسلمين للدين الإسلامي، وعلوم المسلمين، وتاريخهم، ولغاتهم، وأوضاعهم السياسية والثقافية والاجتماعية. والمستشرق هو العالم الذي يشتغل بتلك الدراسات. وكان الاستشراق وليد الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب أيام الفتوحات الإسلامية للغرب، وإبَّان الاستعمار الغربي للشرق، وعن طريق السفارات والرحلات. ولم يستطع المؤرخون أن يتفقوا على تحديد بداية الاستشراق، فبعضهم يعود به إلى الفرنسي (جريردوي أورالياك) الذي قصد بلاد الأندلس الإسلامية وتتلمذ على أساتذتها في أشبيلية وقرطبة، حتى أصبح أوسع علماء عصره الأوربيين اطلاعاً. وبعض المؤرخين أرجع بداية الاستشراق إلى القرن الثاني عشر حيث تمّت فيه أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية، وظهر فيه أول قاموس لاتيني عربي. وقد ظهر مفهوم الاستشراق في أوروبا في نهاية القرن الثامن عشر، إذ ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، وفي فرنسا 1799م، وفي سنة 1838م أدرج في قاموس الأكاديمية الفرنسية. ويعد القرنان التاسع عشر والعشرون عصري الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية ففي شهر مارس 1795 أنشأت الحكومة الفرنسية مدرسة اللغات الشرقية الحية، وبدأت حركة الاستشراق في فرنسا تتجه نحو اتخاذ طابع علمي على يد سلفستر دي اس عام 1838م. وفي منتصف القرن التاسع عشر قام المستشرقون بإنشاء جمعيات للدراسات الاستشراقية في مختلف بلدان أوروبا وأمريكا.
وأول مجلة استشراقية أصدرها (هام برجشتال) في فينا باسم (ينابيع الشرق) من سنة 1809-1818م. وشهد القرن التاسع عشر بداية عقد المؤتمرات الدولية الاستشراقية، ففي باريس عام 1873 عقد أول مؤتمر دولي استشراقي، ثم توالى عقد المؤتمرات الاستشراقية، وقد بلغ عددها العشرات، وهي تضم مئات العلماء المتخصصين في الدراسات الإسلامية، وقد نشرت بحوث ودراسات المؤتمرات الاستشراقية في عدة مجلدات، ولا يزال المستشرقون يستفيدون من نتائج هذه المؤتمرات في كتاباتهم ومؤلفاتهم.
|