مما لا شك فيه أن المدرسة هي تلك المؤسسة التربوية التي تمثِّل صلب الإدارة التعليمية، في كل مكان وزمان، وهي مثال رائع لمجموعة عمل متكامل من جميع النواحي.. حيث تتضافر في إتمامه جهود فريق أو مجموعة من العاملين، فالمدرسة فيما مضى تهتم بتقديم المعرفة وبعض العلوم المختلفة، والمعلومات بشتى طرقها القديمة لأبنائها فحسب، حيث كانت غايتها قاصرة على الاهتمام بالنواحي الفكرية والعقلية، ولكن مع تطور العلوم في العصر الحاضر وتقدم الأبحاث والدراسات ذات الطابع التربوي والتعليمي على حد سواء، أصبح من الضروري أن تعنى المدرسة بتوفير خبرات متنوِّعة ومتكاملة لتلاميذها بحيث تصقل مواهبهم وتنمي قدراتهم العلمية والعملية. والأجمل من ذلك حينما نرى أبناءنا الطلاب يتعرَّفون على الحياة من حولهم، وما تعيشه بيئاتهم ومجتمعاتهم من ظروف وأوضاع ومتغيِّرات.
ولاسيما أن عالمنا المعاصر يتسم بظاهرتين بارزتين هما: الانفجار السكاني، والانفجار المعرفي، فالعالم كله أصبح كالغرفة الصغيرة، فنحن لا نعيش بمعزل عن الآخرين، بل نؤثِّر ونتأثر، وأن هذه الملايين البشرية المتزايدة عاماً بعد عام، لا بد أن يكفل لها ما يمكِّنها من معايشة عصر التقدم العلمي والتكنولوجي وما يتيح لها فرص الإسهام في تطوير الحياة حولها، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق الإدارة الناجحة في مجتمعاتها.لهذا صار لزاماً على الأمة العربية أياً كان حجمها وقدراتها وهي سائرة في سعيها تجاه التطور الحضاري والتقدم التقني أن تهتم أولاً وقبل كل شيء بالإنسان العربي فتعيد النظر في تربيته وتعليمه، وترسم الخطط القادرة على جعل هذا الإنسان مخلوقاً منتجاً، فعَّالاً، مؤمناً بفلسفة راسخة لبُّها العقيدة السمحة وإستراتيجيتها التقدم والازدهار والحياة الفضلى، في ضوء المخترعات الحديثة والوسائل المتقدِّمة .
ومن المؤكَّد أن التقدم الحضاري في هذا العصر لم يعد مجرد وجود الثروة المادية أو الطبيعية ولا هو العدد البشري فحسب. ولكنه القدرة العلمية التي تستطيع بمشيئة الله أن تلعب دوراً كبيراً في العملية الإنتاجية، في هذا العالم الذي لا يعترف إلا بالأمة القوية في إنتاجها وعلومها وفنونها العلمية والعملية، فالتربية الإسلامية المبنية على الإيمان بالله تعالى - مع الأخذ بالأسباب الدنيوية دون غلو أو تعنت، مسؤوليتنا جميعاً، لأن التربية ليست حكراً على التعليم، دون الأسرة والمجتمع أو المؤسسات العامة والخاصة، نعم يعد التعليم الركيزة الأساسية لأي مجتمع حضاري ولكن الذي ينساه الكثير منا هو أن التعليم عبارة عن أفراد قادمين من أسر يتكون منها هذا المجتمع الوفي. وبما أن الكلمة أمانة، والقول بيان وللمتحدث والكاتب أهمية بالغة، في توصيل ما يريده من معان إلى الآخرين عن طريق اللسان أو القلم، فإني أناشد كل الخيِّرين من أبناء هذا المجتمع القوي بإيمانه بالله ثم بعزيمته الصادقة أن يسخِّر طاقاته البشرية والمادية من أجل الرقي بالتعليم العام والفني والجامعي في شتى المجالات المختلفة، فالتعليم مسؤولية مشتركة خدمة للدين والوطن الذي عشنا تحت سمائه وعلى ذرات ترابه، حفاظاً على القيم الأساسية التي قامت عليها مملكتنا الغالية، ووفقاً لمسيرة التنمية في بلادنا حفظها الله.
* مشرف تربوي بوزارة التربية والتعليم الرياض
A.abuaseel@moe.gov.sa |