منذ صدر الإسلام، كان للمسجد الدور الأهم والبارز في تعميم الفكر الإسلامي، وفي جمع المسلمين على رأي واحد، وعلى همّة رجل واحد؛ كي تتأكد اللحمة الدينية التي هي بالمحصلة لحمة نافعة للإنسانية جمعاء. وكان للمسجد الدور في تكوين الشخصية الإسلامية المنتمية روحاً وفكراً إلى تعاليم الشريعة السمحة، ويؤكد مشايخنا وعلماؤنا الأفاضل في كل مناسبة دور المسجد على مر العصور، ويعتبرونه المدرسة الأولى التي ينتظم فيها الناس خمس مرات في اليوم وفي أيام الجُمَعِ والمناسبات، يستقون وينهلون من علمائهم ومدرسيهم كل تفصيل عن الدين، وكل ما ينفع أمور دنياهم وآخرتهم، وما ينفع عموم البشر.،وذلك إضافة إلى تأدية فرض من فروض الإسلام وهو الصلاة التي تجمع الناس على أرض مساواة حقيقية لا فرق فيها بين كبير وصغير، ولا بين غني وفقير، ولا بين سيد وعبد، فالكل سواء في طاعة الله سبحانه وتعالى، وكذلك أولو الأمر {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ..} صدق الله العظيم.
وإضافة إلى أثر المسجد في تحقيق الالتزام الديني، وأداء فريضة الصلاة، يشرح لنا علماؤنا الأجلاء أن ما يجمعه مسجد من الناس دون إكراه ودون دعوة ودون إغراءات في أوقات الصلاة، أضعاف ما يمكن أن يجتمع من الناس في أي وقت، وفي أي مكان، ومهما كانت الإغراءات والدعوات والمحفزات! ويطالب علماؤنا -حفظهم الله- بكل مناسبة بألا يغيب عن فطنة الأذكياء الاهتمام بدور المسجد، والتركيز عليه لغاية توضيح معلومة، أو نشر إعلام خير أو تنبيه إلى مسألة تهم الناس.
ومن هذه الزاوية تأتي أهمية لقاء صاحب السموّ الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني- مؤخرا بوفد من إداريي وعمداء وأساتذة جامعة طيبة بالمدينة المنورة، ووفد من أئمة وخطباء المساجد الذين عبروا عن ولائهم وعن تأييدهم للإجراءات الحكيمة التي يقوم بها ولاة الأمر لمصلحة الوطن والمواطن، من توجيه نداءات ورسائل متتالية من أجل رفع المظلمة عن الشعب البريء في ماله وأملاكه وأفراده، بسبب ممارسات طغمة منحرفة ضالة تعبث بأمن الناس الأبرياء وأمانهم وممتلكاتهم، بما يخالف تعاليم الشريعة، وبما يهدم أبسط مبادئ الأخلاق والانتماء والشعور بالمسؤولية الوطنية.
وفي لفتة كريمة حكيمة من سموّ ولي العهد الأمين ذكّر الجميع بمبادرة خادم الحرمين الشريفين التي أعطت مهلة شهراً للعفو عن كل من غُرر به وانحرف ثم عاد إلى جادة الصواب، وأدرك بأن الله هو الحق، وأن مسيرة المملكة هي الرشاد؛ ليعود إلى عقله ورشده وإلى المجتمع الآمن الذي ما تعود على أعمال كهذه، وينقذ نفسه من الهلاك المحتوم.
إن أولياء الأمور ومعهم علماؤنا الأفاضل هم الأقدر على رؤية مصلحة المجتمع دون النظر إلى من يسيئون إلى المجتمع، فلقد خولهم الله سبحانه بالعمل لمصلحة البلاد والعباد، وهم الوسطيون الأصحاء الفاهمون للهيكلية الصحيحة لأسس الدين، وللفرد الدور الفاعل ضمن دائرة المجموع.. فإذا خرج عن الإجماع فسيكون حكم الله فيه بيد ولاة الأمر.
وكل هذه الأمور يجب، بل ومن الضروري، أن تصل إلى الناس بوضوح.
ومَنْ غير خطباء المساجد والأئمة أقدر على ذلك؟
المساجد دور عبادة، ومدارس علم وتوجيه، وتجمع في كل وقت العديد من الناس من شرائح مختلفة وأعمار مختلفة، ولعل فئة الشباب هم الأهم من حيث توصيل المعلومة إليهم، وتنبيههم أين مواطن الضلال وأين مواطن الخير والسلامة، وألا نتركهم بين أهواء الغرباء يغسلون أدمغتهم ويحشونها بتفاهات مختلطة، ومفاهيم متطرفة، وفتاوى {ما أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}.
هذا هو الدور الأهم في هذه المرحلة المنوط بأئمة وخطباء المساجد، ومن هذا الفهم الصافي والواضح كان المدخل الكريم لصاحب السموّ الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -ولي العهد الأمين- في توجيه كلمة مختصرة إلى الخطباء والأئمة، لكنها في غاية الوضوح، إذ قال لهم سموّه:
(إخواني.. أشكركم وأتمنى لكم التوفيق.. وأحب أن أفهمكم بأنكم مسؤولون مسؤولية خاصة؛ لأنكم أنتم ولله الحمد من الأشخاص الذين من الممكن أن يؤثروا في الشباب.. ولهذا يجب عليكم خدمة دينكم قبل كل شيء ووطنكم وأطفالكم ومحارمكم الذين تشاهدون دماءهم على الأرض. وأنتم ولله الحمد مرشدون.. وأنتم ولله الحمد رجال تعرفون خدمة دينكم ووطنكم وأمتكم العربية والإسلامية؛ ولهذا تجب منكم الكلمة الطيبة؛
لأن الكلمة الطيبة مثل ما قيل تأخذ الحق البين وترشد وتفهم.. وأرجو لكم التوفيق..).
كلمة سموّ ولي العهد الأمين جاءت من منطلق فهم واعٍ لدور العلماء والدعاة في تبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم، وتنبيه أفراد المجتمع إلى الأخطار المحدقة بهم وتحذيرهم منها، وهو في جانب آخر يثمن سموّه أهمية ما يقوم به علماؤنا ودعاتنا من جهود مباركة في تحقيق اللحمة الوطنية، ليقف الجميع سياجا أمنيا لحماية الدين والوطن، حيث يبقى تكاتفنا جميعا ووقفنا صفا واحدا خلف ولاة أمرنا وعلمائنا الأفاضل هو الوسيلة الوحيدة لتطهير المجتمع من الجرثومة الخطيرة، وتحقيق الأمن.. سائلين الله أن يدخل السكينة على قلوب الآمنين، وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، وأن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء ومكروه، وأن يسبل عليها ثوب صونه وأمانه، وأن يهدي كل من انحرف وضلل، ويدله بكريم فضله إلى جادة الصواب، كما نسأله سبحانه أن يهدينا سواء السبيل وطريق الرشاد.. إنه سميع عليم.
|