بدأ القتال في النجف يأخذ شكل الحرب الشاملة وليست مجرد معركة تدور في مدينة واحدة، فإفرازات القتال صارت تغطي جزءاً كبيراً من الخريطة العراقية مع دخوله أسبوعه الثاني وسط تصعيد متواصل يتمثل بشكل خاص في تهديدات أمريكية باقتحام المدينة مقابل تهديدات من المليشيات بتفجير أنابيب النفط إذا تم الاقتحام، وفي الملامح العامة لهذه المعركة شر مستطير يستوجب تحركاً سريعاً للحؤول دون استشرائه إلى أنحاء العراق خصوصاً أن المعركة صارت لها امتدادات في عدة مدن.
وفي ذات الوقت اطلت بشدة المصاعب الإنسانية وسط هذا الزخم القتالي الشرس، حيث تواصلت وبوتيرة أكبر عمليات خروج المدنيين من المدينة مع نشوب معارك كصدى، لما يحدث في النجف، في كلٍ من البصرة والعمارة والناصرية والكوت، ما يعني أننا نتحدث الآن عن حرب تشمل نصف الأراضي العراقية.. وبينما كان يلح دائماً على أذهان المراقبين المقارنة بين معركة الفالوجة ومعركة النجف، فإن ذلك ربما كان يصدق على المواجهات السابقة في النجف، غير أن هذه الحرب تجاوزت النجف إلى مدن أخرى وإلى بغداد ذاتها، حيث امتدت المواجهات من مدينة الصدر إلى أنحاء أخرى من العاصمة العراقية مع (تقاسم) السيطرة على أحيائها بين الشرطة ومليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر، إلى الدرجة التي تقود إلى القول إن مواجهة كبرى باتت وشيكة في بغداد مع محاصرة القوات الأمريكية لمدينة الصدر المعقل القوي لمليشيات جيش المهدي في بغداد.. وربما تحدد تطورات المعركة في النجف التطورات في بقية أنحاء العراق، من جهة استمرار هذه المعارك أو تراجعها وفقاً لسيطرة هذا الجانب أو الآخر على الوضع في النجف.. وربما تعمل الأنحاء الأخرى على تخفيف الضغط على النجف من خلال إشغال القوات الأمريكية وحلفائها.. ويلاحظ بصفة خاصة في هذه التطورات المتلاحقة النداء الصادر من الحكومة العراقية إلى القوات الأمريكية بوقف القصف الجوي للنجف، فالحكومة العراقية المؤقتة التي تشارك بقوات في القتال ضد مليشيات جيش المهدي، ربما ترى أنها تذهب بعيداً مع عدم تحركها فيما تزداد ضراوة القصف الأمريكي الجوي بطريقة تهدد وجود المدنيين داخل المدينة، ومن هنا أيضاً يمكن النظر إلى دعوة نائب الرئيس العراقي إبراهيم الجعفري للقوات الأمريكية بالخروج من المدينة على أن تبقى فيها فقط القوات العراقية داعياً إلى إبقاء الجسور مفتوحة مع مقتدى الصدر.. وتعكس الاستقالة التي قدمها نائب محافظ النجف جودت كاظم نجم القريشي احتجاجاً على المعارك في النجف، بل إن تصريحاته التي رافقت الاستقالة تذهب إلى حد انتقاد القوات الأمريكية التي قال إنها تقوم بأعمال إرهابية في المدينة. كل المعطيات تقول بأهمية التحرك السريع لمنع انتشار حريق النجف، ومن المهم أن تستمع القوات الأمريكية لما تقوله السلطة في بغداد، كما أن قيادات النجف مطالبة بالتعاون مع التحركات الخيرة، وأن تحرص هي ذاتها على فعل ذلك، ولا نتحدث هنا عن مصالحة وإنما عن ضرورة جهود خيرة لإنقاذ المواطن العراقي..
|