Friday 13th August,200411642العددالجمعة 27 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

مظاهر الوسطية في الأمة الإسلامية مظاهر الوسطية في الأمة الإسلامية
عبد العزيز بن محمد الحمدان ( * )

قال الله عزّ وجلّ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (143) سورة البقرة ، فأهل الإسلام وسط بين المِلل ، وأهل السنّة والجماعة وسط بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام ، فهم وسط بين أهل التعطيل الذين ينفون صفات الله - عزّ وجلّ - وبين أهل التمثيل الذين أثبتوها وجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين ، فأهل السنّة أثبتوا صفات الله إثباتاً بلا تمثيل ، وينزهون الله عزّ وجل عن مشابهة المخلوقين تنزيها بلا تعطيل ، فجمعوا بين التنزيه والإثبات وقد رد الله على الطائفتين بقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (11) سورة الشورى ردّ على المشبّهة ، { وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } رد على المعطلة.
* أهل السنّة والجماعة وسط في باب أفعال العباد بين الجبرية والقدرية :
فالجبرية الذين هم أتباع جهم بن صفوان يقولون : إن العبد مجبور على فعله كالريشة في مهب الريح ، والقدرية الذين هم المعتزلة أتباع معبد الجهني ومن وافقهم قالوا : إن العبد هو الخالق لأفعاله دون مشيئة الله وقدرته ، وهدى الله أهل السنّة والجماعة لأن يكونوا وسطاً بين هاتين الفرقتين ، فقالوا إن الله هو الخالق للعباد وأفعالهم ، والعباد فاعلون حقيقة ولهم قدرة على أعمالهم والله خالقهم وخالق أعمالهم وقدراتهم { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } (96) سورة الصافات ، واثبتوا للعبد مشيئة واختياراً تابعين لمشيئة الله عزّ وجلّ { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (29) سورة التكوير.
* وأهل السنة والجماعة وسط في باب وعيد الله بين الوعيدية والمرجئة.
المرجئة قالوا (لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة) ، فعندهم أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وأن مرتكب الكبيرة كامل الايمان ، وهذا باطل.
والوعيدية : هم الذين قالوا : (إن الله يجب عليه عقلاً أن يعذب العاصي كما يجب عليه أن يثيب الطائع ، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها فهو خالد مخلد في النار) ، وهذا أصل من أصول المعتزلة ، وبه تقول الخوارج.
أما أهل السنّة فقالوا : مرتكب الكبيرة إذا لم يستحلها ، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته أو مؤمن ناقص الإيمان ، وإن مات ولم يتب فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه برحمته ، وإن شاء عذبه بعدله بقدر ذنوبه ثم يخرجه ، قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } (48) سورة النساء.
* أهل السنّة والجماعة وسط في باب أسماء الدين والإيمان والأحكام بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية : المراد بأسماء الدين هنا مثل : مؤمن ، مسلم ، كافر ، فاسق ، والمراد بالأحكام : أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة.
أ) الخوارج عندهم أنه لا يسمى مؤمناً إلا من أدى جميع الواجبات واجتنب الكبائر ، ويقولون إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد ، ولكنه لا يزيد ولا ينقص فمن أتى كبيرة كفر في الدنيا وهو في الآخرة خالد مخلد في النار إن لم يتب قبل الموت.
ب) المعتزلة قالوا بقول الخوارج إلا إنه وقع الاتفاق بينهم في موضعين : نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة ، وخلوده في النار مع الكافرين.
ووقع الخلاف بينهم في موضعين :
الخوارج سمَّوه في الدنيا كافراً ، والمعتزلة قالوا في منزلة بين المنزلتين : فهو خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر ، والخوارج استحلوا دمه وماله والمعتزلة لم يستحلوا ذلك.
ج) المرجئة قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فهم يقولون إن الإيمان مجرد التصديق بالقلب فمرتكب الكبيرة عندهم كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار ، وهذا يبين أن إيمان أفسق الناس عندهم كإيمان أكمل الناس.
د) الجهمية وافقوا المرجئة في ذلك تماماً ، فالجهم قد ابتدع التعطيل ، والجبر ، والإرجاء ، كما قال ابن القيم رحمه الله.
هـ) أما أهل السنّة فوفقهم الله للوسطية بين هذين المذهبين الباطلين فقالوا : الإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فقول القلب تصديقه وإيقانه ، وقول اللسان النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمها ، وعمل القلب : النية والإخلاص والمحبة والانقياد والإقبال على الله عزّ وجلّ والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه.
وعمل الجوارح : القيام بالمأمورات واجتناب المنهيات.
فمرتكب الكبيرة عند أهل السنّة مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً كالخوارج والمعتزلة ، ولا يقولون بأنه كامل الإيمان كالمرجئة والجهمية ، أما حكمه في الآخرة فهو تحت مشيئة الله عزّ وجلّ إن شاء أدخله الجنّة من أول وهلة رحمة منه وفضلاً ، وإن شاء عذبه بقدر معصيته عدلاً منه سبحانه ثم يخرجه بعد التطهير ويدخله الجنّة ، هذا إن لم يأت بناقض من نواقض الإسلام.
* أهل السنّة والجماعة وسط في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الروافض والخوارج :
الرافضة غلوا في علي - رضي الله عنه - وأهل البيت ، ونصبوا العداوة لجمهور الصحابة كالثلاثة كفّروهم ومن والاهم ، وكفّروا من قاتل علياً ، والخوارج قابلوا هؤلاء فكفّروا علياً ومعاوية ومن معهما من الصحابة والنواصب نصبوا العداوة لأهل البيت وطعنوا فيهم.
أما أهل السنّة فهداهم الله للحق فلم يغلوا في عليّ وأهل البيت ، ولم ينصبوا العداوة للصحابة - رضي الله عنهم - ولم يكفّروهم ولم يفعلوا كما فعل النواصب من عداوة أهل البيت ، بل يعترفون بحق الجميع وفضلهم ويدعون لهم ، ويوالونهم ، ويكفون عن الخوض فيما جرى بينهم ، ويترحمون على جميع الصحابة فكانوا وسطاً بين غلوّ الرافضة وجفاء الخوارج ، ويقول أهل السنّة أفضل الصحابة : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنّة ، ثم يرتبون الصحابة حسب مراتبهم ومنازلهم - رضي الله عنهم -.
* أهل السنّة والجماعة وسط في التعامل مع العلماء : أهل السنّة يحبون علماءهم ، ويتأدبون معهم ، ويذبون عن أعراضهم ، وينشرون محامدهم ، ويأخذون عنهم العلم بالأدلة ، ويرون أن العلماء من البشر غير معصومين ، إلا إذا حصل شيء من الخطأ والنسيان والهوى لا ينقص ذلك من قدرهم ، لأنهم ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ، فلا يجوز سبّهم ولا التشهير بهم ، ولا تتبع عثراتهم ونشرها بين الناس ، لأن في ذلك فساد كبير.
* أهل السنة والجماعة وسط في التعامل مع ولاة الأمر.
فهم وسط بين المُفْرِطين والمُفَرِّطين ، فأهل السنّة يحرمون الخروج على أئمة المسلمين ويوجبون طاعتهم والسمع لهم في غير معصية الله ، ويدعون لولاتهم بالتوفيق والسداد ، لأن الله أمر بطاعتهم قال عزّ وجلّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (59) سورة النساء ، وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) متفق عليه.
حفظ الله ولاة أمرنا وبلادنا وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.

( * ) الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved