Friday 13th August,200411642العددالجمعة 27 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

نقاط فوق الحروف نقاط فوق الحروف
وتساءل أين الأمان؟؟
محمد بن عبدالرحمن الغماس

وتساءل صديقي في حيرة بالغة: أين الأمان؟ في إشارة إلى أن الإنسان ليس معه أمان وأن الحيوان ألطف جانباً منه، وإن كان الشر متوقعاً من الجميع إلا أن الأخير واضح المعالم حسب رأيه.
ووقتها تساءلت أنا.. هل هذا الحكم يدور مع النوع أم مع العلة.؟ إن قلنا مع النوع فهو حكم مطلق لا تقييد له ولا تأطير (وحكم كهذا غير منضبط) وهو عرضة للقبول والرفض والأخذ والرد.
أما إن قلنا إنه مع العلة فالعلة كامنة ومعالمها ناقصة فهي تظهر ثم تختفي دون إشعار أو إشارة ودون سابق علم أو معرفة بل توقع وظن حدس فالإنسان مثلا قد يحدث بينه وبين أخيه الإنسان خلاف أو سوء فهم على أمر ما الأمر الذي يتوقع من خلاله صدور أي ردة فعل أو عمل مضاد من قبل صاحب الحق تجاه المعتدي ولكن فجأة نجد أن توقعنا لم يتحقق شيء منه فندهش ونستغرب ونتساءل وحين التمحيص والتدقيق والبحث والتقصي يتبين لنا بأن هذا الشخص الإنسان قد عفا وصفح وتسامح.. لماذا؟
ما الذي دعاه ودفعه إلى ذلك الامر.. إلى تلك الأريحية.. إلى ذلك الصفاء والنقاء.. إلى ذلك البياض.. إنه الإيمان العميق والتقوى الحقة إنها التعاليم السماوية والأنظمة الإلهية التي لا تحيد ولا تميل.. هذا العفو كان بفعل التربية السليمة والجو الروحاني والعزيمة الراشدة وإلا فليس هناك مانع من رد الاعتداء إن لم يكن هناك إيمان وتقوى يغلبانه بل يلغيانه من قاموسه ويقذفان به في بحر متلاطم الأمواج {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء}.
أما بالنسبة للحيوان فالأمان منها ليس على إطلاقه بل بالعكس من ذلك فقد يحدث من بعضه مكر وخديعة واعتداء ابتدائي غير ثأري ولا مسبوق بدلائل أو قرائن تشير إلى احتمالية قيامه بعمل مضاد.. إذاً الإنسان إنسان والحيوان على اسمه حيوان.
والله سبحانه وتعالى قد أشار في محكم كتابه الكريم إلى فضل بني آدم على سائر المخلوقات بقوله عز من قائل عليما: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، فالتكريم والتفضيل من لدن العزيز الحكيم لا يوازيه تكريم ولا يجاريه تشريف وبنو آدم لهم شرف الإنسانية، ثم تأتي الخصوصية في المنزلة عند الله عز وجل بقوله في محكم كتابه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فالتقوى هي الفيصل وهي المحك وهي الحق والقياس الحقيقي لشرف المنزلة عند رب المخلوقات جميعا، وإذا ما حاد الإنسان عن طريق الهدى والصلاح والاستقامة أنزل نفسه منزلة وضيعة ودنيئة وألبسها لباساً خَلِقاً مخروما لا ستر معه ولا هدى قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}، والشيطان في هذا له الدور الأكبر ثم الهوى والنفس قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وقال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، فالإساس في الإنسان الطهر والسلامة وما يحدث من تغير وانقلاب في المفاهيم إنما هو ناتج عن شيء طارىء وتخلخل في القوى والموازين الخيرية وتفسخ وانحلال ونزع للباس التقوى الذي هو خير، وارتداء للباس الردى والهوى والهوان وإلا فالمولود أي مولود هو على الفطرة والتهويد والتنصير والتمجيس من أبويه كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وبذا يتضح أن المؤمن مأمون جانبه وأن الظلم والاعتداء بل ومحاولة الاعتداء أو رده غير وارد البتة في مسيرة حياته حيث العفو والصفح والإيثار والأخوة الإيمانية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
سبحان الله والله أكبر.. ما أجمل هذا الصفاء وأطيب ذاك التسامح وما أعظم الرب سبحانه وتعالى الذي ملك القلوب والعقول وقلبها كيف شاء ويقلبها كيف يشاء بحكمته وعزته ورحمته فسبحانه من إله عظيم عليم عزيز حكيم.

الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved