Friday 13th August,200411642العددالجمعة 27 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

قراءة في الفتنة لم تعد نائمة 3/1 قراءة في الفتنة لم تعد نائمة 3/1
د. محمد بن سعد الشويعر

هذا العنوان لم يكن من عندي، ولكنه اسم لكتاب ألفه الأستاذ حماد بن حامد السالمي، خرجت طبعته الأولى عام 1424هـ، به 23 موضوعاً، نشرها في صحيفة الجزيرة متتابعة، أشار في الهامش إلى تاريخ النشر لكل موضوع، وكلها تدور في فلك الأحداث الدائرة، وما يقوم به شباب غُرّر بهم، وطبع الله على قلوبهم، عرّف المؤلف بهذا الكتاب إجمالاً، في صفحة الغلاف الأخيرة، عندما قال: لم يكتف أرباب الإرهاب من الخوارج الجدد بما أحدثوه في قارات العالم من خراب ودمار، وقتل وتشريد، بل تجرأوا على قبلة العرب والمسلمين (المملكة العربية السعودية) واستهدفوا أراضيها الطاهرة، ومواطنيها والمستأمنين فيها، ثم سعوا إلى التدمير والتفجير في أقدس بقاع الأرض قاطبة، في مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
هذا الكتاب: يتناول هذه القضية، ويناقش مسألة التلبس بالدين، ويعرض لظاهرة الغلو والتشدد والتطرف في أوساط المجتمع، على ضوء ما أفرزته هذه الظاهرة، من حوادث عنف مروعة.
هذا التعريف يشوق القارئ إلى قراءة واستطلاع ما حوى الكتاب بين دفتيه، وهو من القطع المتوسط، وفي 258 صفحة ويبدو أن الأخ حماد شاعر من النوع الذي لا يلتزم بوزن ولا قافية، ولا ببحر من بحور الخليل بن أحمد، وإنما تطبيق القاعدة القائلة: الشعر من الشعور، وجيشان الإحساس. وقد انتشر هذا اللون عند كثير من أدبائنا، حتى أن بعضهم يأتي بالقصيدة العمودية، ويقطع أبياتها في أسطر متتابعة، على هذا النحو مجاراة وتنويعاً. ولا ضير في ذلك إذا برز شعور الشاعر وخياله. كانت هذه القصيدة هي رقم (2) من موضوعات الكتاب.
برر المؤلف في تقديمه لسبب التأليف، بما نشر في عام 1412هـ، تحت عنوان (الخوارج الجدد)، انتقد فيه السلوك العدواني الذي ظهر به شباب عادوا إلى بلدانهم من أفغانستان, وتنبأ (والأصح أن يقول وتوقّعتُ)، ببعض ما حصل بعد ذلك، من تفجير وقتل للأنفس في أكثر من مكان، في الرياض وفي الخبر، ثم بعد ذلك في نيويورك عام 2001م.
ويزيد الأمر: بأنه تعرض لانتقادات حادة، وصلت إلى درجة العلمنة والتكفير، ثم عرّج إلى كتاب له قبل هذا أسماه: (الفتنة كانت نائمة)، فتبين له بعد الأحداث أن الفتنة لم تعد نائمة، فكان هذا الكتاب، وكان هذا المسمى.
ونراه في مقاله الأول: جعل عنوانه: أيها الكهفيون اذهبوا إلى الجحيم، ولا شك أن العنوان مثير ويحمل دلالة معينة، وكتاب الغرب خاصة في الأحداث يهمهم صدى العنوان، وهذا ما حرص عليه المؤلف في كتابه هذا، لأن العرب قالوا: يقرأ الكتاب من عنوانه..
لكنه كرر الجحيم كجزاء لهم، وهم لا زالوا على قيد الحياة، ومذهب أهل السنة والجماعة: عدم الجزم بجنة أو نار لمعين، إلا من شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا أن باب التوبة مفتوح، وأن الإنسان لا يزال في فسحة من أمره حتى يفارق الحياة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن حسن الختام الذي يحث أصحابه على الدعاء به، بقوله: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها). وما قدره الله على كل نفس لا نعلمه فلا نجزم وإنما ندعو بالصلاح ورفع الفتنة (ص10-14).
وندعو بما فيه صلاح للإسلام والمسلمين والدولة فتحت لهم باب التوبة والتراجع.
وفي حديثه رقم 5 صار متحمساً وصريحاً، في إخراج هؤلاء المخربين من جزيرة العرب، رداً على شعار ابن لادن أخرجوا الأمريكان من جزيرة العرب، الذي لم يستثن ما عمله القتلة: حيث دمروا وقتلوا أمريكياً مسلماً، علاوة على الأعداد من المسلحين صغاراً وكباراً ونساء، مما يبرهن على جهلهم، إذ لم يقل رسول الله مثل مقالتهم هذه المنسوبة لابن لادن، وإنما قال الكفار، وهؤلاء خالفوا رسول الله في عدة مواضع، لأن الذي عندهم شهية القتل والتخريب كما حصل منهم في اليمن والكويت والسعودية، وليس ما يذكرون.
وكنت أتمنى أن أورد حديث رسول الله: أنا بريء من مسلم بين ظهراني المشركين) لأن المخططين لهؤلاء المنحرفين، يوجهونهم وهم بين ظهراني المشركين، إن لم يكن التوجيه، وفق حلقاته المتتابعة، هم المشركون المتعصبون ضد الإسلام وأهله، وهذه أكبر البلايا.
وقد أحسن في مقاله هذا عندما طلب من أبناء الجزيرة، التكاتف مع الحكام لإخراج الإرهابيين المتشبعين بفكر التكفير، والتخريب والإفساد من الجزيرة بأسرها، لأن الكيل طفح، ولم يعد هناك تحمل لهذا السلوك الشيطاني (ص37-44).
أما مقالته الخامسة: زَبَدٌ وزُبْد (ص46- 56)، فهو يخبر عن معاناته في كلماته التي أقضت مضاجع هؤلاء الإرهابيين بعدما قال رأيه في أفعالهم وفق قناعته، فحاولوا ثنيه فبعثوا إليه بفتاوى مشايخهم الثلاثة - وليته علق في الهامش عن تراجع وتوبة هؤلاء التي أعلنوها بألسنتهم، وأنها بقناعة وتوبة إلى الله لا بضغط ولا برشوة - كما اتهموا الأستاذ حماد بذلك في ترغيبهم له وترهيبه، في صفحتين من هذا الكتاب، وبالمقابل فقد ارتاح ممن دعموا رأيه وشجعوه على المضي في كتابته، لأنهم ينظرون بمنظار العقل والمنطق، ويزنون الأمور بميزان شرع الله، وفق ما جاء في رسالة القاضي، عبدالله بن صالح بن علي الفاضل بالمحكمة الكبرى بالطائف، وإمام وخطيب جمعه، حيث جاء في تأييد الشيخ عبدالله لحماد عبارات جيدة، وأحاديث مثبتة لمن ألقى السمع وهو حريص على الاستجابة، ومبينة لمذهب الخوارج الأوائل، وأن من عمل بمثل عملهم شابههم بالعمل السييء، فهم الذين يراهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين (البخاري 12- 282).
وبعد نهاية رسالة الشيخ عبدالله، الذي بيّن له أموراً برزت على السطح رغب معالجتها بالجزيرة، شكره على نصحه، وقال: هلا عرفنا بعض أسباب الداء الذي حل بنا؟!. وهذا يعني أنه إذا عرف الداء عرف الدواء.
وفي مقاله الثامن: قاتلهم الله أنى يؤفكون (ص78-85)، يبدأه بمخاطبة العقول وتساؤلات، يقول عن هؤلاء الذين شابه عملهم عمل الخوارج، ثم قال عن الشباب المغرر بهم، ينسلّون من بين أسرهم الطيبة، ويمرقون في أوساط مجتمعهم الخيّر، فيتكتلون ويتحزبون ويخططون، يكدسون الأسلحة ويجمعون المتفجرات، ويعمدون إلى قتل النفس، وتدمير الممتلكات، وترويع الآمنين، ثم يزعمون أنهم بذلك يستشهدون.
فيرد عليهم بقوله: أي شهادة في سبيل الله هذه، التي تأتي ملطخة بدماء بريئة، زكية حرمها الله، وحذر من قتلها، بل أعلن سبحانه غضبه ولعنته على قاتلها، وتوعده بالخلود في النار.
وبعد إيراد الآية من سورة النساء قال: إذا كان هناك من مؤامرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين في هذا الزمان، فهي هذه الأفعال القبيحة المشينة، التي يأتي بها إرهابيون خوارج، يحسبون على دين الإسلام، لأنهم من أهله، لا يتورعون عن ارتكاب المحرمات كبيرة أو صغيرة.. فهل نتنبه لهذا الخطر الداهم.. إلى أن قال:
كنا مجمعة نتابع إعلامياً ما نشر ضد فلول حي الخالدية بمكة، فقال شيخ كبير السن: من ساعد هؤلاء القتلة، وأوصلهم لهذا المكان، من زودهم بالمال والسلاح. مع جملة من الأسئلة، فكان جوابه على التساؤلات شافياً أصاب به كبد الحقيقة.. وختم الموضوع بطلب الدعاء على أعدائنا من المارقين والخارجين المتربصين بنا في كل وقت وحين، وهذا مهم من الجميع لأن الدعاء مخ العبادة (للبحث صلة).
الفصاحة والذكاء
جاء في كتاب قصص العرب، نقلاً، عن مجاني الأدب (3-15) أن الحجاج بن يوسف أمر صاحب حرسه أن يطوف بالليل، فمن رآه بعد العشاء، سكراناً ضرب عنقه، فطاف ليلة من الليالي، فوجد ثلاثة فتيان يتمايلون، وعليهم أمارات السكر، فأحاطت بهم الغلمان، ليوقعوا بهم، وقال لهم صاحب الحرس: من أنتم حتى خالفتم أمر أمير المؤمنين، وخرجتم في مثل هذا الوقت؟.. فقال أحدهم:


أنا ابن من دانت الرقاب له
ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة
يأخذ من مالها ومن دمها

فأمسك عنه، وقال لعله من أقارب أمير المؤمنين، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟.. فقال:


أنا ابنٌ لمن لا تنزل الدهر قدره
وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره
فمنهم قائم حولها وقعود

فأمسك عنه، وقال: لعله ابن أشرف العرب، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟.. فأنشد على البديهة:


أنا ابنٌ لمن خاض الصفوف بعزمه
وقوّمها بالسيف حتى استقامت
وركباه لا ينفك رجلاه منهما
إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت

فأمسك عنه أيضاً، وقال: لعله ابن أشجع العرب، واحتفظ عليهم. فلما كان الصباح رفع أمرهم للحجاج، فأمر بإحضارهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجّام، والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك.
فتعجب من فصاحتهم، وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فوالله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم، ثم أنشد:


كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنيك محموده عن النسب(1)

(1) قصص العرب لمحمد أحمد جاد المولى وزميليه (4-314).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved