التقليد في الأدب بعدم الابتكار الذي تتكىء عليه الكلمة الخلاقة التي بواسطتها تشع الحياة الفكرية في الأمة.. حيث تتآخى المفاهيم.. وتنسق الأشياء.. فتظهر النفوس.. وتصفو القلوب.. ومن ثم يعلو الشأن.. ويسمق المكان.
أعني بالتقليد.. ذلك التقليد البليد الذي تعتريه البلاهة.. ويشوبه التعصب.. وينبعث من بين تضاعيفة عفن العجز عن التجديد أو محاولات التشخيص الدقيق.. والنزعة السليمة للتغيير.
هنا لا بد من بعض التوضيح بين التأثير والتقليد.. فالانسان تؤثر به الاشياء المحيطة به.. والأحداث قد تبدل من نهجه.. والابداع يشده.. والعظماء يعجبونه؟! والتسامى يجذبه.. فهو - الانسان - حس وعقل وعاطفة تكون شخصيته.. وتبلور مسلكه.. فتتفاعل جميعها محددة ماهيته حسب درجة احساسه.. وقوة استيعابه.. ودفق عاطفته.
هذا هو الفرق بينهما.. واذا ما رجعنا الى الوراء قليلاً.. نجد أن الحالة التي مرت بها بريطانيا بعد وفاة (شكسبير) قريبة الشبه بحالة الفكر العربي المعاصر الذي كان من أسباب تعطيل الامة العربية.. وتثبيط همتها.. وبالتالي وقوعها في أحضان التأخر.
فقد كان كتاب انجلترا بعد وفاة شاعرها العظيم يعيشون عظمة الرجل.. فتعلقوا به. وساروا على نهجه بشكل تقليدي تنطمس من خلاله دوافع الرفعة وعوامل السمو.. فعاش الفكر الانجليزي فترة كاد أبانها يلفظ أنفاسه.. وبدأت الإمبراطوية تتسع رقعتها وظل الفكر مضطربا يسوده نوع من الترف الناجم عن مباهاة تعول على قوة ظالمة مما جعل كثيراً من المفكرين ينظرون الى غير جنسهم نظرة بعيدة عن الانصاف - وان برز بعض الكتاب - فانهم لم يؤثروا تأثيرا بليغا يجس أجواء النفس.. ويداوي داءها.. ولكن الحال تغير حين ظهر (أوسكار وايلد) الايرلندي.. الذي استطاع ببعد نظره واستعداده أن يخلص الادب الانجليزي من تقليديته.. ويحرره من التعالي.. وتلاه (برنادشو).. وجاءت الخمسينيات لتبدأ مع (جون أوزبورن) في (انظر خلفك بغضب) موجة خرجت على ما كان واتخذت لها الصراحة سبيلا من خلال صور تكمن في الفوارق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا زالت مستمرة.
أما نحن فما زلنا نبحث عن المنقذ.. ونعيش الغربة.. ونحيا الشقاء بعد أن غاب عنا الغزالي والكندي والخوارزمي.. وأبو الطيب والمعري ومحيي الدين بن عربي.. حيث ابتعدنا عنهم - وان قلدناهم - أخفقنا.. لأننا لا نسبر العمق الذي يترتب عليه السمو.. ولا نفهم الأبعاد أو ندرك عنصر الوجود الأساسي للوصول إلى مجاراة الحياة.. ومراعاة الزمن.
|