لقد اطلعت على ما كتبته الأخت العنود بنت عبدالله في جريدة (الجزيرة) عدد 11634 عن تفشي ظاهرة التدخين وغيره لدى بعض الفتيات. ولأهمية الموضوع يطيب لي المشاركة بالآتي: التدخين عادة سيئة ووسيلة الى مفاسد كثيرة، وبلاؤه قد عم وطم حينما شاركت الفتيات في تعاطيه؛ لما في ذلك من الأضرار الجسيمة والآثار السلبية الخطيرة على أجيال الأمة، حتى وهم في بطون أمهاتهم. فقد طلب من أمٍّ حامل في الشهر السادس، كانت معتادة على التدخين، أن تمتنع عن السجائر خلال 24 ساعة، وفي نهاية المدة قدم لها الطبيب لفافة، وما أن وضعتها في فمها وقدم لها النار ليولعها إلا وأشار المقياس إلى اضطراب قلب الجنين في اللحظة عينها. وعلل الطبيب سلوك الجنين بالمنعكس الشرطي (الذي هو نوع من أنواع التعلم). وبهذا استدل الطب على أن الجنين يتأثر ويتعلم، ثم يحتفظ بما تعلم, وبعد ولادتهم يألفون رائحته النتنة حين احتضان أمهاتهم لهم، فالأم مدرسة يتعلم الصغار فيها أبجديات الحياة إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
إن تدخين الفتاة ينذر بخطر شديد، ويدل على وجود خلل في كيان الأسرة، فمن الذي أوصل الجوهرة المكنونة إلى تلك الحالة المهينة؟! لا بد من التعمق في معرفة أسباب ذلك، فالخطورة لا تكمن في تعاطي شرب الدخان فقط، إنما الخشية أن تمتد إلى أشمل منه وأعظم من الموبقات، فكثير من مدمني المخدرات ومرتكبي المنكرات كانوا يتعاطون شرب الدخان.
وفي هذا المقال أشير إلى بعض الأسباب التي منها:
1- ضعف الوازع الديني: كلما قوي إيمان المرء أصبح بمنأى عن الانزلاق في مهاوي الردى، أما من ضعف إيمانه فلا يستغرب منه الولوغ في آنية الفساد المتنوعة الأشكال والألوان، فالمرء في هذه الحالة تضعف عنده الرقابة الذاتية، وهي صمام الأمان لدى الإنسان، والسبيل لتقوية الإيمان في النفوس المحافظة على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها، والمحافظة على فعل السنن وقيام الليل، ومداومة تلاوة القرآن الكريم، ومطالعة الكتب النافعة والاستماع للمحاضرات والندوات الهادفة.
2- الغزو الفكري: حينما عجز الخصوم عن المقارعة في الميادين العسكرية تفتقت أذهانهم عن هذا السلاح الفتاك، فإذا كانت الحروب تصيب الأجسام فتدميها أو ترديها فالغزو الفكري يصيب العقول فيشلها ويعطلها عن العمل الجاد، حتى تصبح طوع بنان أعاديها.
3- التفكك الأسري: حيث تعيش الفتاة ضحية الخلافات الزوجية أو طلاق الوالدين أو العيش في كنف إخوتها أو أعمامها أو أخوالها، فيسيئون معاملتها، فتصبح أسيرة همومها وأحزانها. لذا على الوالدين تجنب إظهار خلافاتهما في حضور فلذات أكبادهما، وعلى مَن أوكل إليهم مسئولية رعاية الآخرين الإحسان إليهم والشفقة بهم.
4- الفراغ: فالكثير من الأسر في مجتمعنا تتولى الخادمات عبء مسئولية البيوت كاملة؛ مما جعل الفتاة تمضي الساعات الطوال دون عمل نافع تشغل وقتها به. لذا على أرباب الأسر مراعاة ذلك، وإسناد بعض المهام إليهن؛ لكي يتدربن على تحمل المسئولية، ويشغلن أوقات فراغهن فيما يعود عليهن بالنفع العظيم.
5- قرينات السوء: الفتاة التي تعيش أوضاعاً أسرية سيئة وفراغاً بيناً في حاجة إلى صديقة تفضي إليها بمكنون أسرارها، فإن وفِّقت في صديقة ناصحة صلحت حالها واستقام أمرها، وإن بليت بصديقة سوء أوردتها المهالك.
6- ترك الحبل على الغارب: فبعضهن يمضين جزءاً من أوقاتهن في التجول في الأسواق من دون داعٍ لذلك. وإذا فرغت إحداهن من التجوال عادت إلى بيتها لتمضي بقية وقتها في متابعة برامج بعض القنوات المنحطة، أو استخدام الشبكة العنكبوتية أو الهاتف من دون حاجة ماسة لذلك. فعلى أولياء أمورهن متابعتهن وتبصيرهن بمواطن الخلل والزلل، حتى لا يقعن فريسة لذوي النيات السيئة.
7- الانبهار بما لدى الغرب من مظاهر زائفة دفع ببعض الفتيات إلى الاعتقاد بصوابها والأخذ بها.
8- مداومة مطالعة المجلات ذات المظهر المثير والمضمون الفارغ.
9- الإعجاب بالفنانين والفنانات المنحرفين عن جادة الصواب، واعتبارهم المثل الأعلى والأسوة الحسنة.
10- الاضطرابات النفسية والعاطفية التي تمر بها بعض الفتيات.
لذا يحسن بأولياء أمورهن الترفق بهن، والاستجابة لمطالبهن بما يتماشى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
11- التأخر في الزواج: مع أن الصواب المبادرة في تزويجهن حال بلوغهن، فالزواج هو الحصن المنيع للفتيات من الوقوع في السلوكيات الخاطئة.
12- ضعف التواصل بين الجهات المعنية بمكافحة التدخين ووسائل الإعلام، فكم الذين يعرفون مقارَّ عيادات مكافحة التدخين وأرقام هواتفها؟!
13- قلة البرامج التي تعرض أضراره الصحية والنفسية بصورة لافتة ومؤثرة.
وفي الختام، نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولإخواننا المسلمين السلامة والعافية من كل سوء ومكروه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
محمد بن فيصل الفيصل- المجمعة |