* الرياض - سعود الهذلي:
اتخذت المملكة كافة التدابير الأمنية للحيلولة دون حدوث أدنى حوادث إرهابية وذلك بعد عام شهدت فيه البلاد أعمالاً تخريبية شارك في إخراجها بعض المارقين الذين زيّن لهم فكرهم الضال حب الدمار ورؤية الدم.. حيث سجلت الجهات الأمنية نجاحات متلاحقة بالقبض على عدد كبير من رؤوس الضلال وإبطال العديد من العمليات الإرهابية التي كان ينوي أعضاء الفئة الضالة القيام بها.
كما تضافرت الجهود التي سعت جميعاً للقضاء على بؤر الإرهاب عبر تفعيل نشاطات عدد من الجهات ذات الشأن بدراسة هذه الظاهرة من كافة الجوانب لإيجاد أنجع السبل لمحاربتها عبر برامج واستراتيجية مدروسة قصيرة وبعيدة المدى.
وعموماً فقد شكلت الجريمة منذ أقدم العصور هاجساً لكافة المجتمعات الإنسانية ويعود التاريخ إلى أول جريمة في التاريخ البشري إذ قتل قابيل شقيقه هابيل ومع ارتفاع معدلات الجريمة وتعدد صورها وأنماطها واتجاهاتها نحو الأفراد والجماعات ومع التزايد المستمر في فقدان الإحساس بالأمن والانعكاس السلبي لذلك على السلام الاجتماعي للمجتمعات، فقد أخذت الدول في بذل الجهود الفردية والجماعية على عدة أشكال اقليمية وعربية ودولية لمواجهة الجريمة والوقاية منها، وقد توصل العلماء والباحثون في كافة المجالات الاجتماعية والنفسية والعقلية والتشريعية والاقتصادية والبيولوجية والأمنية إلى العديد من الحقائق والنظريات العلمية لتفسير السلوك الاجرامي وتحليل دوافعه في إطار العامل الواحد وتطورات النظرة إلى الجريمة لتفسيرها ودراستها في إطار تضافر العوامل وتعدد الأسباب في دراسة الجريمة وغيرها من الدوافع الأخرى.
ومع تزايد الاهتمام بالجريمة نشأ علم الإجرام وعلم العقاب وعلوم الأدلة الجنائية والطب الشرعي واستخدمت هذه العلوم كل ما أتيح لها من أدوات تكنولوجية وما توصلت إليه العلوم الأخرى من نتائج والاستفادة بها في مجال الجريمة والانحراف الا أن التقدم الهائل الذي تحقق في هذا المجال لم يمنع المجرم من ارتكاب جريمة أو تكرار معاودة ارتكابها، ومن هنا فإن الحاجة تزداد إلى البحث عن وسائل وأدوات وأساليب ومناهج جديدة يمكن ان تشكل هيكلاً جديداً ومعطيات يمكن ترجمتها إلى واقع شديد التأثير والفعالية لترسيخ المفهوم الحديث والواعي للوقاية من الجريمة والانحراف في ظل عالم يموج بالتوترات والصراعات وتتضارب فيه المصالح ويسود فيه منطق القوة وتزداد فيه التكتلات على تعدد وتباين أنواعها وأشكالها بين الدول والأفراد بما يساهم بصورة أو بأخرى في شيوع الجريمة والانحراف.
ومفهوم الوقاية هو التدخل المبكر لحماية الأفراد والمجتمعات من ارتكاب الجرائم والانحرافات التي يتوقع أو يحتمل ان ترتكب وتفادي وقوعه مستقبلاً بالقضاء على العوامل المتسببة أو التي تهيئ أو تساعد أو تعجل بارتكابها، وعلى ضوء ذلك فإن مفهوم الوقاية من الجريمة والانحراف يتضمن عدة عناصر أساسية منها أن الوقاية مفهوم استاتيكي من الناحية النظرية وديناميكي من الناحية العملية، بمعنى ان وسائل وأدوات وأساليب وسياسات الوقاية يمكن ان تختلف من وقت إلى آخر تبعاً لظروف المجتمع واحتياجاته، كما ان المفهوم الحديث للوقاية من الجريمة والانحراف يتطلب من المجتمعات إجراء المزيد من الدراسات والبحوث واستمرارها ومتابعة الاستفادة من نتائجها لتطوير أساليب الوقاية واجراءاتها وآلياتها حتى تحقق أهدافها بفاعلية، كما أن مفهوم الوقاية في مجال الجريمة والانحراف تتزايد أهميته في عصرنا الحاضر على اعتبار ان الوقاية خير من العلاج والتقويم لا سيما بعد ما ثبت علمياً ان تشديد العقوبات على الجرائم لم يؤدِّ إلى القضاء عليها أو انخفاض معدلاتها وإنما ارتفعت كمّاً وكيفاً وبشاعةً، ووصلت إلى حد الإرهاب وارتكاب جرائم القتل المسلح في مذابح جماعية وإبادة عرقية.
وإن مفهوم الوقاية يتسع ويتعدى مجال الجريمة والانحراف ويتعمق ليشمل وقاية النشء والشباب وكافة أفراد المجتمع على اختلاف أدوارهم وأجناسهم والأسرة وضعف القيم الأخلاقية والدينية واضطراب الشخصية والسلوك واتساع دائرة انتشار الأمراض النفسية والعصبية.
وعلى ذلك فإن الوقاية المبكرة أو اللاحقة للجريمة والانحراف تدخل في إطار واحد وهو الحفاظ على سلامة البناء الاجتماعي للمجتمع وتحقيق الأمن والاستقرار فيه والطمأنينة لأفراد من اخطار الجريمة وعواقبها السلبية على الفرد والمجتمع.
ونصل إلى ذلك بعدة توصيات منها أهمية تعميق الوقاية المبكرة واللاحقة والوقاية العلاجية كمحور أساسي في الأسرة الخليجية والعربية ووضع الآليات المناسبة لهذه الغاية، ثم مراعاة التطوير والتحديث المستمر لأساليب وطرق وأدوات وآليات الوقاية المبكرة بما يتلاءم مع التغيرات الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات الخليجية والعربية، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك، إضافة إلى دراسة موضوع الوقاية المبكرة من الانحراف والجريمة وجمع المعلومات وتبادل الخبرات في هذا المجال بما يمكن مجتمعاتنا من وضع استراتيجية مستقبلية تحقق أهداف مواجهة الانحراف والجريمة مع ضرورة الأخذ بمبدأ الوقاية في كافة التشريعات الوصفية.
بما يجعل القوانين من الأدوات الفعالة والمؤثرة في تحقيق أمن وسلامة المجتمعات ضد الانحراف والجريمة إضافة إلى أهمية توجيه الوقاية إلى بؤر الانحراف والجريمة وهي الفرد والأسرة والمدرسة والجماعات الاجتماعية ووسائل الاعلام خصوصاً المرئية منها والمعنية بتوصيل الرسالة الوقائية لعناصر التأثر والاستجابة لها مع التأكيد على الأسلوب المناسب للتخاطب مع كل فئة أيضاً أهمية تطوير وتحديث دور المدرسة في إطار مفهوم الوقاية من الانحراف والجريمة.
وأخيراً وضع استراتيجية للاعلام المرئي تحقق أهداف تنمية الوعي والوقائي وترشيد البرامج حتى تتحقق هذه الأهداف المنشودة.
|