* فلسطين المحتلة - بلال أبو دقة:
إسرائيل تكذب بكل ما يتعلق بعدد النقاط الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ إن الحقائق على الأرض تؤكد أن العدد أكبر بكثير من ذلك.. والنقاط التي يقول شارون إنه تم إزالتها، في حقيقة الأمر، تم نقلها من مكان لأخر لا أكثر..
هذا هو مضمون الرسالة، التي أرسلت بها منظمة (أمريكيون لأجل السلام) في واشنطن، التي هي فرع تابع لحركة (سلام الآن الإسرائيلية)، أرسلت بهذه الرسالة إلى الرئيس الأمريكي، جورج بوش..
وقالت الحركة في رسالتها: إنه في الوقت الذي يزعم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، ووزير خارجيته، سيلفان شالوم إزالة (81 نقطة استيطانية غير قانونية)، منذ عام 2002، وأن عدد النقاط المتبقية هو (28 نقطة)، تؤكد الحقائق على الأرض أن العدد أكبر بكثير من ذلك..
وحسب بيان صحفي صادر عن رئيس حركة (أمريكيون لأجل السلام)، لويس روت، بتاريخ 6-7- 2004، فإن شارون يهزأ من بوش، ويتلاعب به، فقد تمكنت عمليات المسح الجوي التي قامت بها طائرات حركة السلام الآن الإسرائيلية في أجواء الضفة الغربية في الشهر الأخير (يونيو - حزيران) من رصد (52 نقطة استيطانية غير قانونية)، والنقاط التي يقول شارون إنه تم إزالتها، في حقيقة الأمر، تم نقلها من مكان لآخر لا أكثر..
وفي هذا السياق، وبينما يدور النقاش بين الجيش الإسرائيلي والشرطة حول مسؤولية إخلاء المستوطنات ومحاولة كل طرف إلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، فإن البؤر الاستيطانية اليهودية تواصل توسعها.
وقد شاهد العالم كيف يعجز الجيش الإسرائيلي بكل قوته من إخلاء بؤرة استيطانية يسكنها أقل من 50 مستوطناً غالبيتهم من النساء والأطفال، أو ربما يكون قد افتعل عجزه هذا بسبب موالاته لهذه المستوطنات أو بسبب أوامر وزارية وحكومية لتمرير مسرحية إخلاء المستوطنات الهزلية.
وكان وزير الأمن الإسرائيلي، شاؤول موفاز، قال مؤخراً: إن مسؤولية إخلاء المستوطنات يجب أن توكل بيد الشرطة..
وفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي هاجم وزير الشرطة، تساحي هنغبي، تصريحات موفاز وقال: إن هذه المهمة وعندما تصل إلى أبواب (دولة إسرائيل)، إذا وصلت أصلاً، وبناء على جميع التقديرات في الشرطة يجب أن توكل هذه المهمة للجيش..
وكانت لجنة المالية التابعة للكنيست الإسرائيلي، أقرّت في الثلاثين من شهر حزيران - يونيو الماضي، تحويل 150 مليون شيكل من الميزانية الاحتياطية لسنة 2004 إلى نحو 40 مستوطنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك لأغراض أمنية..!!
ومن المتوقع أن يتم إنفاق الأموال على تنفيذ خطة ترمي إلى إنشاء مناطق أمنية خاصة في الضفة الغربية.
وأقرّت اللجنة عمليًا طلب وزير المالية، بنيامين نتنياهو، اعتبار المبلغ ضمن مصاريف الطوارئ..
هذا ولم تتضح الصورة بعد؛ كيف سيكون تعامل المستوطنين مع قرار إخلائهم - في حال تم بالفعل تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة - وتعامل الجيش وأجهزة الاحتلال المختلفة مع المستوطنين الذين يعتبرونها في دولة الاحتلال عملية جراحية معقدة..
وبناء على ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الفترة السابقة؛ حول استعداد المستوطنين للتصدي لعمليات الإخلاء وخطط جيش الاحتلال في هذا الجانب فإنه ربما يشترك الطرفان في سيناريو لفيلم تراجيدي يتصارع فيه الإسرائيليون (المستوطنون والجيش) خلال عملية الإخلاء لإظهار الأمر للعالم وكأن دولة الاحتلال أقدمت على أمر في غاية الخطورة والتعقيد؛ مهدت له من الآن تصريحات حاخامات المستوطنين الذين أطلقوا فتاوى تصل حد الدعوة إلى التمرد في الجيش على أي أوامر تتعلق بالإخلاء والحديث عن حرب أهلية في دولة الكيان الصهيوني..
وعلى ما يبدو فإن الطرفين معنيان بإظهار تلك الصورة أمام العالم وتكرار مشاهد من إخلاء مغتصبة «يميت» في سيناء عقب التوقيع على اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر..
أما مصلحة المستوطنين فإنها تستوجب إظهار مدى تعلقهم بالأرض التي استوطنوها وفداحة الثمن الذي يدفعونه، وبالتالي يرفعون سعرهم لدى الحكومة، كما أن إظهار الأمر وأنه استماتة في الدفاع عن مستوطنات قطاع غزة يعني أنهم يدافعون بشكل أكبر عن مستوطنات الضفة الغربية، وأن وضع الخط الأحمر في محيط مستوطنات قطاع غزة يضع خطوطاً حمراء عديدة حول مستوطنات الضفة الغربية..
أما مصلحة شارون وحكومته فهي تتعلق بالدعاية السياسية حول الثمن الفادح الذي قدمه للفلسطينيين والذي دعاه إلى التصادم مع المستوطنين الذي كان هو أحد أبرز الداعمين لهم، وهو بذلك (شارون) يريد مراكمة إنجازات سياسية وتثبيت واقع جديد على الأرض من خلال القول: إلى هنا يكفي لن نستطيع أن نقدم أكثر من ذلك لأن التمادي يعني حرباً بين الإسرائيليين أنفسهم؛ فشارون يريد تصادماً مع المستوطنين، ولكن تحت السيطرة في النهاية ولا يرغب أن يبدو الإخلاء وكأنه تم بسهولة وأن المستوطنين كانوا ينتظرون هذا اليوم للهروب من قطاع غزة..
وعليه فإن العالم ينتظر مشاهد من فيلم تراجيدي يتصادم فيه المستوطنون اليهود مع الجنود الإسرائيليين، يلقون أنفسهم على أراضي المستوطنات نساء وأطفال، يتشبثون بالأشجار والمنازل ذات القرميد الأحمر يصرخون أو يبكون؛ المهم أن تظهر هذه الصور في كل وسائل الإعلام الدولية، لكي يبدو المستوطنين ضحية هذه الخطوة الشارونية..
وفي هذا السياق، روجت صحيفة هآرتس العبرية للسيناريو المرتقب بين الجيش والمستوطنين وكتبت في افتتاحيتها في 28-6-2004م، تحت عنوان أصولية حبلى بالكارثة، مشيرة إلى أن القرارات التي خرج بها حاخامويشع - المستوطنون، والتي تمنع الجنود التدخل في إخلاء غوش قطيف، تحرف النقاش الجماهيري المشروع في خطة فك الارتباط نحو طريق لا مخرج له يحوم فوقه خطر الحرب الأهلية..
وتضيف الصحيفة العبرية: الحاخامون اليهود يحاولون أن يصبغوا النقاش العقلاني المتعلق بشؤون (الدولة) بصبغة دينية تستمد قوتها من عالم الروحانيات غير المتكىء على العقلانية بل على الشريعة السماوية؛ وهكذا يخلط الحاخامامون الحابل بالنابل، ويهددون بجر (الدولة) لصراع داخلي محمل بالكارثة..
وتابعت صحيفة هآرتس، تقول: لذلك فإن مستقبل المستوطنات اليهودية في قطاع غزة وشمال السامرة يتحدد فقط بواسطة قرارات الحكومة والكنيست ولا يتحدد في دور العبادة..
هذه الأقلية الحقودة وإن كانت متماشية مع الأوامر الإلهية لن تفرض رأيها على الأغلبية العقلانية..
وكان حاخامو «يشع» (مجلس المستوطنات) قد أطلقوا فتوى أنه لا يحق لأي مواطن، شرطي أو جندي المساعدة في اقتلاع مستوطنات..
ودعا الحاخامون إلى فك الارتباط عن فكرة صنع السلام.. لم يخرجوا بقرار قاطع للجنود برفض الأوامر، ولكن تصريحهم لا يقبل التأويل..
وقال سكرتير لجنة حاخامي يشع الحاخام دانييل شيلو: إن جمهورنا يعرف أنه حسب رأي الحاخامين حذار على أي شخص أن يساعد في اقتلاع مستوطنات أرض (إسرائيل)، وأضاف، يقول: نحن نعرب عن صدمة عميقة لفكرة اقتلاع مستوطنات، وتسليم أقاليم البلاد إلى الغرباء، ونحن ندعو السكان إلى عدم التعاون مع أي إغراءات تعرض عليهم..
وبحث الحاخامون في أشكال المقاومة المختلفة، بدءًا برفض الأوامر لأعمال الإخلاء، ورديات الاجتماع، الإضراب عن الطعام، الصلاة والصيام، التوجه إلى الجمهور الأصولي بعدم المساعدة في الإخلاء، الانتفاضة الشعبية والصلاة وتلاوة الآيات في التوراة لإسقاط الحكومة..
وفي الجيش الإسرائيلي أعربوا عن مخاوفهم من أن تضع هذه الفتوى المصاعب في وجه أعمال الإخلاء على الأرض، وذلك أنه سيقف حيال قوات الإخلاء؛ المستوطنون ومؤيدوهم وكذا جنود متدينون سيتصرفون بناء على تعليمات الحاخامين ويجعلون مهمة الإخلاء صعبة..
وقال الحاخام اليهودي (شيلو) الذي يشغل منصب سكرتير لجنة حاخامي «يشع» (المناطق): إنه إذا اقتلعوا سكان مواقع استيطانية من منازلهم دون تسليم المكان للفلسطينيين، ينبغي للجنود الامتناع قدر الإمكان عن المشاركة في الإخلاء، ولكن ليس بالضرورة رفض الأمر..
ومع ذلك فقد شدد الحاخام على أنه إذا كانت خطة فك الارتباط ستخرج إلى حيز التنفيذ، لن يكون مفراً من الدعوة الصريحة إلى رفض عام للأوامر..
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن عدداً من أفراد الشرطة المتدينين في لواء 'شاي' (الضفة الغربية)، بعضهم سكان يشع، طلبوا عدم المشاركة في مهمات إخلاء مواقع استيطانية..
|