لم أكن قد انتهيت بعد من تناول وجبة غداء متواضعة حينما رن جرس الهاتف، كانت الساعة وقتها لم تتجاوز الثالثة ظهرا، وكنت أقيم في إحدى غرف الدور الرابع من فندق (برايم تاور) بإحدى البلدان العربية.
مسحت يدي على عجل وأمسكت بسماعة الهاتف إذا بالمتكلم رجل عربي بادرني بالقول دون أن يطالبني بأية معلومات شخصية:
- محدثك بدر الدين مندوب شركة السياحة ال...: ألف ألف ألف مبروك لقد كنت الفائز معنا هذا اليوم بجائزة ثمينة جدا فما عليك إلا الحضور إلى مكان تواجدنا بفندق (الهولدي إن) في تمام الساعة الخامسة والنصف من عصر هذا اليوم لتستلم جائزتك.
- يبدو أن المقصود شخص آخر، قلت له وقد أحسست بالدهشة.
- لا.. سارع بالرد.. بل أنت المعني هنا. ثم أردف: ألم يكن هذا هو فندق (برايم تاور)؟
- قلت: بلى.
- ألم يكن رقم هذه الغرفة ثلاثمائة وستة؟
- أجبته: بلى.
- إذن الفائز بالجائزة لم يكن سواك.
واصلت حديثي مع بدر الدين فقلت:
- اسمي علي وأنا نزيل جديد في هذا الفندق.. لقد وصلت للتو إلى هنا وبشكل أدق لم يمض على وجودي في هذا البلد سوى أربع وعشرون ساعة وهذه المدة لم تكن كافية لحضور حفلات أو المشاركة في مسابقات أو الظفر بأية جائزة.
- ليس الأمر كما ترى.. نظام الشركة عندنا يقوم باختيار العملاء على الطريقة العشوائية فنقوم كل يوم باختيار فندق معين ومن ثم نختار بالطريقة ذاتها غرفة في هذا الفندق. والشخص الذي يكون متواجدا في الغرفة وقت الاتصال هو الذي يظفر بالجائزة ثم نتعرف عليه في نهاية المكالمة.
انصرفت إلى نفسي أحدثها في تساؤل - ومحدثي ما يزال على الطرف الآخر من الخط.
- جائزة بدون مسابقة؟ ومن دون أي مقابل تجنيه الشركة؟ ثم ما المقصود من كلمة - ثمينة جدا؟ ربما - قلت في نفسي - هذه إحدى الطرق الحديثة المبتكرة لترويج السلع أو المشروعات.
عدت لمحدثي وسألته.
- ما نوع الجائزة يا ترى؟
- لا أستطيع إجابتك الآن ستتسلمها حينما تصل إلينا. وعدت إلى نفسي أحدثها:
- لابد أن محدثي كان يدرك ويعي ماذا تعنيه كلمة - ثمينة جدا - من معنى حينما أطلق هذا الوصف على الجائزة. على أي حال أرجح أن لا تقل هذه الجائزة عن سيارة والشيء الذي سوف يسيئني بكل تأكيد أن تكون السيارة من النوع المتدني أو ذات الحجم الصغير.. إن كانت كذلك فلن أتردد في عرضها للبيع. فلن يكون بمقدوري إقناع أبنائي الذين ما فتئوا يطالبونني بالتخلص من سيارتي المتواضعة واستبدالها بسيارة أكثر فخامة وأكثر عصرية.
شتت محدثي سلسلة أحلامي بصوته وهو يقول:
- ألو ألو هل ما زلت معي؟
- أنا هنا لم أغادر المكان.
- إذن نحن بانتظارك في الموعد المحدد ثم سألني بلكنة بلاده المحلية - أديش رأم الموبايل تبعك؟
تجاهلت سؤاله ثم ودعته وأخذت أتهيأ للتحرك.
قبل الموعد المضروب بنصف ساعة على وجه التقريب انطلقت بي سيارة الأجرة.. ومن حسن الطالع أننا لم نجد كبير عناء للوصول إلى مكان الجائزة فقد كان السائق الهندي الجنسية حاذقا ولديه الخبرة الكافية فيما يبدو ما جعله يحسن الاختيار لطرق تضمن لنا اختصار المسافة.. فقد كانت المسافة تقتضي السير وقت الذروة أربعين دقيقة في العادة بينما استطاع سائقنا تقليص المدة إلى مقدار النصف أي عشرون دقيقة لا غير.
عند مدخل قاعة الفندق وجدت رجلا أنيقا بانتظاري بادرني بالقول وهو يجول ببصره حول ملابسي التي تختلف قليلا عن الزي السائد في هذه البلاد:
- أعتقد أنك الأستاذ علي أليس كذلك؟
- رحب بي بعد أن تأكد من هويتي واستدعى شخصا آخر هو بدر الدين محدثي السابق فرحب بي هو الآخر، وقبل أن يصطحبني إلى مكان الجلوس طلبت منه الحصول على بعض المعلومات التي تهمني في مثل هذه الأحوال. وجعت له عددا من الأسئلة عن طبيعة عمل الشركة وماذا سيدور بيني وبينهم من أحاديث خلال الجلسة وأهم من ذلك كله نوع الجائزة.
حاول التهرب من الإجابة وهو يمسك بيدي ويسحبني إلى داخل القاعة لكنه أعطاني وعدا بأنني سأكون على معرفة بكل ذلك خلال الجلسة.
أجلسني على أقرب طاولة ثم فتح ورقة كان يحملها بيده اليسرى وراح يتفحصها ثم قال:
- لقد تعرفنا على اسمك أثناء المكالمة وعرفنا تاريخ ميلادك بقي أن نعلم طبيعة عملك.
- رجل أعمال.
- وما نوع العمل الذي تزاوله؟
- ليس هناك عمل محدد فالأعمال التي أزاولها يطلق عليها في بلادي - أعمال حرة -.
- هل تسمح لنا بالتوغل قليلا في حياتك الخاصة وو.. قاطعته..
- ولكن ما هي الجائزة وهل هناك ثمن تريدون الحصول عليه مقابل هذه الجائزة؟
- لماذا كل هذه العجلة على الجائزة؟ يبدو أنك بدأت تضيق ذرعا من هذه الدردشة هذا أمر طبيعي يتم مع كل من تتعامل معهم شركتنا وللعلم فهذه شركة سياحية عالمية ذات مصداقية كبيرة.
- أرجوكم.. أنا على ارتباط مسبق ولا أستطيع الاستمرار معكم طويلا دعوني انصرف وسأعاود زيارتكم غدا إن شاء الله في مثل هذا الوقت.. سأكون متفرغا للجلوس معكم.. سلموني جائزتي.. سلموني جائزتي من فضلكم..
التفت بدر الدين إلى شخص كان يقبع خلف مكتب على يساره وطلب منه الحضور.. اقترب من مكان جلوسنا وأخذ يرحب بي قبل أن يصل إلينا وعرف نفسه بأنه رئيس قسم بالشركة واسمه هاني.. فأبدى له بدر الدين رغبتي بتأجيل الجلسة فقال هاني بلهجة عبرت عن مدى امتعاضه وهو يوجه حديثه إلي..
- يعني الأستاذ علي ما عايز يجلس معانا.. وليه بس.
أعدت اعتذاري مبديا ذات الأسباب.. ثم التفت خلفه فوقع بصره على أحد المسؤولين عن الضيافة فطلب منه إحضار كوب من الشاي ثم انصرف وهو يتمتم ضيفو الأستاذ ضيفوه.
عدت إلى بدر الدين وسألته:
- ألم يحن موعد تسليم جائزتي.. إن كان لابد من التأخير فعلى أقل تقدير يجب معرفة الجائزة..
غادر المكان وغاب لدقائق قليلة ثم عاد ليقول:
- بعثت من يحضر الجائزة اطمئن.. ولا تستغرب التأخير ان حدث فالمستودع لا يبعد كثيرا عن هذا المكان لكن الطريق مزدحم في هذا الوقت فهذا وقت الذروة كما تعلم وأغلب الموظفين يعودون إلى منازلهم.
وعلى خلاف ما كنت أتوقع لم يمض وقت طويل حتى عاد الرسول، كان يحمل كيسا بلاستيكيا وردي اللون لم أكن أتوقع أن ما بداخله الجائزة بل كنت أخمن عندما رأيته للوهلة الأولى أن ما بداخل الكيس لا يعدو عن كونه أوراقا فقط تخص الجائزة.
لم يتأخر بدر الدين كثيرا عن كشف ما بداخل الكيس فراح يمسك بالصندوق الورقي الذي بداخله بإحدى يديه بينما يسحب الكيس بالأخرى.. حدقت عيناي بالصندوق.. لمحت ملصقاً صغيرا مستطيل الشكل قد كتب عليه بالإنجليزية D.100 أدركت أن هذا الرقم لا يعني سوى سعر هذه السلعة وعلى الجانب الآخر رأيت رسومات لأنواع مختلفة من الفواكه..
التفت إلي بدر الدين وسألني وهو يشرع في إخراج الجهاز من الصندوق..
- كم هي قوة التيار الكهربائي في بلادكم.. مائة وعشرة أو مائتان وعشرون.
نهضت مسرعا وقلت له وأنا أبتعد عن الطاولة وادفع بنفسي باتجاه الباب الخارجي - أشكركم على هذه الجائزة الثمينة جدا.. ليتني حصلت عليها قبل إصابتي بداء السكري،،
|