في روايته الجديدة
الأديب محمد البساطي يفتش في أوراق العائلة

* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور
بعد أن اضناه البحث عن فردوسه المفقود عاد الأديب محمد البساطي الى سيرته الاولى وتتبع جذوره في شجرة العائلة عله يجد القوة والثبات ويتمكن من التصدي للمتغيرات العاصفة والرياح الهوج التي تأتي على الأخضر واليابس إلا ان البساطي خرج من روايته التي صدرت اخيرا بعنوان «اوراق العائلة» اكثر قلقا وحيرة ولكنه اكثر تصميما على مواجهة العواصف بمواصلة الكتابة ويحلم برواية جديدة سيعتبرها افضل ما كتب .
تمثل رواية اوراق العائلة للبساطي بحساب العدد العاشرة وقد سبقتها بفترة قليلة رواية فردوس اضافة الى ثمانية مجموعات قصصية.. عن روايته الجديدة واعماله وهاجسه في البحث عن جذوره وعودته الى الريف كان معه هذا الحوار:
العودة للجذور
** جاءت روايتك أوراق العائلة بعد فترة قليلة من روايتك فردوس... كيف استطعت انجازها خلال الفترة القصيرة؟
- رواية «أوراق العائلة» هي رواية صدرت مؤخراً عن دار الهلال، وتعتبر الرواية العاشرة في مجمل إبداعاتي الروائية، ولكن يسبقها ثماني مجموعات قصصية كان آخرها الشرطي يلهو قليلا، وتأتي رواية «أوراق العائلة» بعد رواية «فردوس» والتي اعتبر أن هناك علاقة وثيقة بين روايتي «أوراق العائلة» و«فردوس»، فأثناء كتابتي لرواية فردوس تولدت كتابة رواية أوراق العائلة، فاضطربت رواية فردوس، لأن ما خططته في رأسي بعد نصفها رأيت أنه لا يصلح بعد، وانه لابد من أن يتغير، فتوقفت في هذه الأثناء للبحث عن مسار آخر للرواية، وأثناء التوقف الذي طال، عملت في أوراق العائلة التي كانت في رأسي ثم عدت بعد ذلك إلى فردوس واستكملتها بالشكل الذي خرجت به، وبعدها استكملت أوراق العائلة، فتكاد تكون الروايتان قد تمت كتابتهما أو انهما تولدتا من بعضهما لأنهما تقتربان من مناطق التحريم في العلاقات، دون الدخول في شيء منها، فرواية فردوس تتناول علاقة بين زوجة الأب وأبن زوجها، ولكنها علاقة لم تتم، وقد كانت على الحدود، ورواية «أوراق العائلة» تناولت أيضا من خلال أحداثها علاقة الجد بزوجة الابن في غياب العلاقة بينهما، فهي تقف أيضا على الحدود، وقد تفسر بمودة شديدة وعاطفة، ولكنها لا تتعدى ذلك، ومن هنا يأتي هذا التقارب ويبدو أنهما اتصلتا ببعضهما أو أن إحداهما ولدت الأخرى.
** وما رؤيتك لهذا الاتصال والامتزاج؟
- لا أعرف، فأنا لا أعرف من النقاد والكتابات التي سوف تكتب عن الرواية، ففي رواية فردوس مثلا وهي الرواية السابقة، عرفت من كتابات النقاد أنها تناقش هموم الوطن المتمثل في شخصية البطلة فردوس، والتي تعاني من صعوبات الحياة، فالعمل في أغلب رواياتي يكتب نفسة ولا أعرف ما سوف يقوله سوى أنها علاقات انسانية جميلة جدا وشخصيات حلوة فقط، فصعب تحديدها كقضية قد ناقشت من خلال العمل، فالقلم يكتب و طالما توجد اشياء غامضة فهناك ما يشجع على الكتابة كي أكشفه وفي النهاية أجد أنني لم أكتشف شيئاً.
ولكني أستطيع أن أقول أن السمة التي تحملها أنها رواية أجيال فقد استطعت أن اجمع بين أربعة أجيال يعيشون في لحظة واحدة، ووقت واحد واحتكاكهم مع بعض وذلك لان روايات الأجيال تكتب عادة في ألف صفحة،ولكن أن يتم ذلك الجمع في حوالي 300،400 صفحة فهذا الجديد.
والسمه الثانية أنني استخدمت سرد الأحداث السجعي، واستخدمت المسرح في الرواية واكتشفت أنه موجود بالفعل وأن الكورس نظام شعبي موجود في الريف، فهم يحكون كل ما يحدث في البلد ويعلقون عليها ويعلقون عليه دون التدخل فيه، وهو موجود بالفعل في الريف حين يجتمع النساء والرجال كل منهم على حدة في جلسات شعبية ويحكون لبعضهم البعض عمّا يحدث في القرية ويعلقون عليها ولا يدخلون في تفاصيلها وهذا الكورس الذي استخدمته. بالاضافة إلى أن أحدهم قال انها مكتوبة بشكل يجعل منها أكثر من رواية فليست كالروايات التقليدية التي يكون بها راو واحد فالحفيد راوٍ والابن راوٍ وهناك الكورس.
** إذاً قد تداخلت الفنون جميعا في هذه الرواية؟
- بالفعل فلابد في أي عمل إبداعي أن تتجمع فيه الفنون كلها الموسيقا والصورة والشعر والمسرح وتختلف هذه الدرجات من كاتب لكاتب، كما تختلف ألوان التعبير من رسام لرسام آخر، فالرواية هي الابداع الوحيد القادر على استيعاب الفنون الأخرى.
** وهل هناك قضية كانت تلح في ذهنك اثناء العمل؟
- الرواية بها انعكاسات من الجو العام وروح العمل لا يخلو من التأثيرات التي يعيشها الوطن العربي، فهناك انعكاسات تتوارى في العمل وهناك انعكاسات لا يمكن أن تتوارى، ففي الرواية البطل والشخصية الواضحة هو الجد الكبير الذي أضاع كل شيء وجلس بجوار جثة ابنه الذي مات في صمت تام، وهو مسئول عن موته بصورة غير مباشرة، والابن الذي يحمل من الصغر وهم البحث في أوراق العائلة عمّن هو فهو لا يعرف أين جذوره ولا هو ابن من، فهو يحيا بلا يقين وهذه الأمور التي سارعت بموته.
وأرى أن كل هذه انعكاسات لا يخلو منها أي عمل، فاستحالة أن لا يكون المبدع مهموماً بكل الأحداث التي حوله، وهذا انعكاس للوضع المتخاذل المنحدر الذي يعيشه العالم العربي، فنحن لا نكتب من فراغ، فالمبدع مشحون بكل هذه الأحداث.
بطل يشبهني
** هل هناك شخصية تشبهك في الرواية؟ وما هي أقرب الروايات في نفسك؟
- رغم أنني الذي أحكي ولكن لا يوجد شبه بيني وبين الرواي وإن كان البعض قال إنني البطل الذي أخذ يفر ويبحث في أوراق العائلة، ويحاول استعادة ما رأى في طفولته وما سمعه من أمه.. فالموضوع أن الراوي هنا هو الطفل الذي يحاول أن يفهم وتنتهي الرواية بعد فهمه، فدائما الريف قادر على أن يسطير على المسائل الخاصة به فالرواية تحمل طابع الولد الصغير الذي يقرأ أوراق العائلة وينكش الماضي في البحث عن الحقيقة ولكنه لم يصل.. وكذلك رواية «فردوس» التي عشت أحداثها وأنا في العاشرة من عمري، و«أوراق العائلة» بها شخصيات كنت أعرفها جيدا وعشتها في مرحلة الصبا ولكن هناك الكثير الذي اختلقته.
ومن حيث أقرب الروايات إلى نفسي، هي رواية ويأتي القطار، لان بها جزءاً كبيراً من أحداث حدثت لي فهذه كانت أقرب الروايات إلى نفسي فقد كتبت فيها عن أشياء حدثت لي، وأحداث حدثت لأشخاص أعرفهم و رغم ذلك مازلت اشعر أنني لم أكتب العمل الذي أريده فدائما انتهي من العمل وأجد أنه ليس ما أريد أن أكتبه، وعندما يقرؤه الناس يعجبون به، فأقول الحمد لله أنه مر وانتهى ولكنه دافع على أن استمر في الكتابة.
** الريف هو العالم الذي تنسج من خلاله رواياتك، لماذا؟
- الريف هو عالمي الخاص والذي اجد لمحاته حاضرة حتى الان في حياتي فهو المنطقة التي عشت بها في فترة الصبا، لذلك تجد علاقة وثيقة بين الريف وأعمالي الإبداعية كلها ما عدا «ليلة أخرى » وهي الرواية التي كتبت عن فترة السبعينيات، والأحداث التي مرت بها القاهرة، وهذه الفترة لا احبها، وهذه القصة الوحيدة التي كان بها نوع من المباشرة، فقد عشت فترة من التخاذل الذي عاناه النظام المصري أمام العدو فكانت الرواية هذه التي تحمل صفة المباشرة، حتى في أحيان أذكر بها الأسماء الحقيقية لبعض الشخصيات، وهذه الرواية تحكي قصة امرأة عاشت هذه الفترة، وكانت لها شخصية مهمومة بالوطن ومن خلالها استعرضت الفترة والانفتاح فيما عدا ذلك، نجد أنني تناولت المدينه في قصص قصيرة أخرى، وتناولت تهجير أهالي مدن القناة، فالمنطقة التي عشتها والخاصة بي عبارة عن بحيرة وزراعة فهناك روايتان عن علاقة المجتمع الريفي ببعضه وكان من ضمن هذه الأعمال «ويأتي القطار» و«أصوات الليل» والتي بها شيء من السيرة الذاتية الخاصة بي.
وهذا نوع من الالتصاق بالقرية فكل مرة أشرع في الكتابة عن رواية تدور أحداثها في المدينة، أجد أن القرية تجذبني إلى حكاياتها التي لا تنتهي، ولكن أن يكون هناك عالم خاص بي فهو نوع من الطموح إذا استطعت أن أحققه كان بها.
** طرحت العديد من القضايا من خلال رواياتك معظمها تقدمها امرأة ما السبب وراء ذلك؟
- المرأه هي نموذج المرأة الجميلة التي تربت خارج الريف ثم تعود إليه فتجدها تهتم بشكلها ونظافتها فتكون امرأة متميزة، ففي رواية «فردوس» تجد البطلة فردوس التي تدور الرواية حولها، و«أوراق العائلة» تجد شخصية زينب التي كان حولها الحديث والتي تربت خارج القرية ثم عادت ذات رأي وموقف وتمثل المرأة القادرة على ان ترد وهناك تستطيع ان تخلق من حولها جواً فالشخصية العادية لا تصلح أن تخلق مواقف فهي مسحوقة تماما، ولكن هذه الشخصية غير عادية تجد النساء العاديات حولها.وفي أعمال أخرى مثل في بيوت وراء الاشجار كانت شخصية سعدية التي عبرت من خلالها عن العمل. ولكن كل هذا بلا أسباب سوى أن العمل استلزم ذلك وليس موقفاً ما، ولكن في روايات أخرى تجد أيضا الرجل، ولكن شخصية المرأة ذات الصفات التي طرحتها يكون لها تأثير في القرية .
** هل هناك فلسفة معينة نستطيع أن نقول أنك تكتب من خلالها؟
- لا أكتب بناء على فلسفة خاصة بي أو إيديولوجية فلا يوجد ذلك في مصر من يكتب بهذه الطريقة، ولكن كان الكتاب الشيوعيون الذين كانوا يكتبون من منطلق نظرية الشيوعية، ولكننا في مصر لم نصل إلا أن نكون أصحاب نظريات، فأغلب الأعمال الأدبية مهمومة بالوطن والإنسان العادي، والوطن.
** هل ترى أن هناك مراحل تطور مررت بها في إبداعك؟
- بالطبع هناك مراحل تطور ولكن النقاد هم الذين يحددون ذلك وعن نفسي ارى ان عملي الاول بيت الاشباح قد خرجت اغلب اعمالي منه، وهناك من يكتب رواية واحدة ولا يكتب مرة أخرى، فليس شرطاً أن يوجد تطور، طالما أن أدواته جاهزة على ان يقدم عملاً جيداً بعد ذلك، فالتطور يكون في المراحل الأولى التي يشكل فيها نفسه ككاتب فقد يكتب أشياء غير مقتنع بها وقد يهمل ما كتبه في فترة إعداد نفسه وإعداد أدواته للعمل وطبعا كانت لي في البدايات الأولى قصص قصيرة ليست قوية جدا ولكن لا تستطيع ان تقول ان هذه الرواية أفضل من هذه ولكن لكل رواية قضيتها الخاصة بها، فلا استطيع ان اقول ان أوراق العائلة أفضل من السابقة فكل واحدة تقدم شيئاً مختلفاً.
** وما هو الجديد لديك حاليا؟
- لا فبعد هذه الرواية اشعر بحالة من الكسل ولكني عادة أقرأ في الفترات التي لا أكتب فيها، وعادة ما تطول حتى أنني لا أعرف هل سأعود للكتابة أم لا، فأقرأ في التاريخ، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية وتحليلاتها.