Thursday 12th August,200411641العددالخميس 26 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

نبوءة الشعر عند المشيقح نبوءة الشعر عند المشيقح

الذين يقرؤون الشعر عند مختلف الثقافات واللغات يعرفون أن للشعر نبوءته الخاصة، فطالما تنبأ الشعراء بأحداث مستقبلية جاءت - لن أقول مثل فلق الصبح - ولكنها تحققت بشكل أو بآخر.
والعرب كانت تقرأ من خلال القصائد أحداثا مستقبلية، ولهذا فالشعر ليس أوزانا تبنى أو قوافي تختار. ما دعاني إلى هذه المقدمة هو أنني كنت في أحد الأيام واحدا ممن يستمعون ذات مساء إلى الشاعر «إبراهيم بن فهد المشيقح» وهو يلقي بعض قصائده، وكان ذلك في مهرجان الشعر الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي في شعبان 1423 هـ في النادي الأدبي بمدينة الرياض، ولم تكن حرب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق قد بدأت بعد، وألقى الشاعر المشيقح بعض القصائد ليطلق نبوءته والتي كانت بعنوان «دموع على جسر الرصافة» والتي كانت موجهة إلى شاعر الرصافة «علي بن الجهم»، وقد كانت القصيدة دالية من الشعر العمودي.
وقد بدأها الشاعر بقوله:


عرفنا ما يراد وما نريدُ
فما يخفى القديم ولا الجديد

وكأن المشيقح يمهد لنا ما سيقع بعد أشهر من ذلك الوقت. مما جعل الحضور ينتظر معرفة ما يراد وما نريد. والحق يقال إن المشيقح يملك إلقاء يأسرك إلى قصائده. وأنا هنا لست بصدد قراءة القصيدة من جهة نقدية إنما كما قدمت لذلك أحاول أن ألمس نبوءة الشعر عند المشيقح والتي تمثلت في الأبيات الأخيرة من القصيدة. وقبل الدخول إلى هذا المشهد أود أن أورد بعض الأبيات التي كان لها تأثير على مشاعر الحضور كهذه الأبيات التي يسأل فيها الشاعر عن الرصافة وشاعرها علي بن الجهم حيث يقول المشيقح:


سألت عن الرصافة، لا أراها
أجاب الجسر: أنهكها الحديد
فشاعرها تعثر بالضحايا
يجر القيد، تسحبه العبيد
قصيدته بلا وزن تغنى
أضاعوا بحرها، فبكى النشيد

هذه الصورة المأساوية وهذا المشهد الذي يصور فيه المشيقح شاعر الرصافة وهو يمشي ويتعثر بالضحايا من كثرة الموت والقتل، وهو يجر القيد الذي أثقله إلى الأرض هذه التراجيديا أجد أن المشيقح من أكثر الشعراء قدرة على تصويرها لنا كما هي، وهذا المشهد لا يستطيع أن يرسمه إلا من أعطي حس مرهف وخيال مصور كالذي يتمتع به شاعرنا.
ومن هذه الأبيات التي كانت تتسلل إلى أعماق الحضور لتحرك فيهم ما كان كامنا قول المشيقح:


ودجلة جففته يد المآسي
تشقق، والوعود هي الوعود
أتى مستنجدا عربا نشامى
أجاب الغرب: عندي ما تريد
حصار يجعل الأشباح تشكو
تبيد الجن نسلكم يبيد
نصب عليكم السجيل صبا
ومن صمت العروبة نستزيد

ثم يوجه الشاعر سؤاله إلى جسر الرصافة فيقول:


أيا جسر الرصافة كيف يرضى
فرات الخير أن تطغى القيود
أسود الكوفة اغتيلت نهارا
ونصبن الثعالب والقرود

ولا أريد أن أسهب في قراءة الأبيات لأعود إلى موضوع المقال وهو نبوءة الشعر عند المشيقح، فعندما رأيت صورة صدام حسين على شاشات التلفزة والفضائيات أعادني ذلك إلى قصيدة الشاعر والتي أحتفظ بها بعد أن طلبنا من الشاعر تلك الليلة في الأمسية أن يصور منها عدة نسخ لأن أغلب الحضور كان يرغب بالحصول على نسخة منها.
وتذكرت بيتا في القصيدة يقول المشيقح فيه:


ودجلة ماؤه دمنا ولكن
على بغداد قد ضرب العنيد
شقي القوم أرهقنا خداعا
وويحي لو يقال له شهيد

هنا كان الشاعر يتخوف من أن يقتل صدام في أحد معاركه أو يغتال أو ينتحر فيأتي من يطلق عليه صفة «شهيد» والذي صار يوزع على صدور الصحف بالمجان. المشيقح كان يتنبأ بسقوطه ولكنه كان يقول آمل أن لا يدع لأحد مجالا لينعته بالشهادة. ولذلك قال الشاعر «وويحي» وكأنه يضع الاحتمال الأكبر أن صدام لن يفوز بهذا اللقب.
نبوءة المشيقح تجلت أيضا بالأبيات الاتية حين قال:


وبغداد السليبة في ذهول
مقيدة، تقول: متى أعود
تقول متى، وآلاف الضحايا
من الأطفال ليس لهم لحود

ليطلق لها المشيقح نبوءته بالقادم حيث يقول مخاطبا بغداد:


أيا بغداد ها قد مر عقد
بشاعته تحار لها العقود

مشيرا إلى العقد الذي مر منذ غزو الكويت.
ليستمر الشاعر في نبوءته في البيتين الأخيرين من القصيدة يقول المشيقح:


عجاف هذه السنوات لكن
قريبا سوف تطربنا الرعود
وتنفتح السماء فليت شعري
إلى من سوف تلتجئ السدود؟

وانفتحت السماء كما تنبأ المشيقح ولكني هنا أجزم أن الشاعر مثلنا لم يطرب لما فعل انفتاح السماء بالعراقيين والعراق وأظن أن الشاعر يبشر بما سيحدث للنظام السابق في العراق.
فمنذ سقوط بغداد المر اختبأ أعضاء النظام ولجأ كل منهم إلى جحر يؤويه وأخذ المحتل يقتنصهم واحدا واحدا إلى أن وصل إلى رأس الطغيان، وهذا ما تنبأ به المشيقح حين قال: «إلى من سوف تلتجئ السدود ؟»
سلطان العتيبي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved