انتهى ربيع العلاقات الإيرانية العراقية اثر قيام الانقلاب العسكري في بغداد في الرابع عشر من تموز 1958، حيث بدأ التوتر بين البلدين لاعلان عبدالكريم قاسم زعيم الانقلاب خروج العراق من حلف بغداد الذي كان يضمها ووصف الحلف بأنه طوق استعماري على العراق تم كسره ونقل الأمانة العامة الى أنقرة. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الحدود المشتركة بين البلدين أكثر سخونة حتى وصلت للاشتعال في عهد حكم صدام حسين الذي مزق اتفاقية الجزائر التي عقدها مع شاه إيران لتنظيم الحدود والتي حصلت بموجبها إيران نصيب الاسد من ضفاف شط العرب الغنية باحتياطي البترول الأرخص تكلفة انتاج في العالم. وتركت ايران حليفها جلال الطالباني فريسة بيد قوات صدام حسين التي شنت حرباً أبادية للقبائل الكردية في شمال العراق وقد امتلأت جبال دهوك والسليمانية بجثث البشمركه الاكراد.
وعند قيام الثورة الإسلامية بزعامة الإمام الخميني جاء رد الفعل العراقي سلبياً حول أهداف الثورة الإيرانية واتهامها بالعمل على تصدير مبادئ ثورة الخميني الى الدول المجاورة وبالذات الى العراق وضبط عدد من رجال المخابرات الإيرانية ولديهم مخططات استخبارية والعثور على سيارات مفخخة تم تنفيذ تجفير بعضها في أحياء بغداد وبالذات في المناطق الأكثرية السنية مثل الأعظمية والكرخ وبعض الدوائر الرسمية. ولم يكن قرار الحرب العراقية الإيرانية سراً عسكرياً لم يعلم به احد بل مهد صدام حسين لذلك بتحرشات حدودية متعددة وجاء الاجتياح العراقي لمنطقة عربستان سريعاً فتم احتلال معظم المدن المطلة على شط العرب مثل عبادان والمحمرة بأقل من أسبوع راح ضحيتها آلاف الجنود والمدنيين الإيرانيين. واستمرت هذه الحرب الضروس حوالي عقداً من الزمان خلال الثمانينيات وانتهت حسب مبدأ لا غالب ولا مغلوب ولكنها تركت اقتصاد البلدين في حالة من الدمار والافلاس وحرقت الأخضر واليابس وراح ضحيتها أكثر من مليوني إنسان من البلدين الجارين. وقد عانى العالم العربي والإسلامي من نتائج هذه الحرب المجنونة غير المبررة إلا هدف اضعاف الأمة الإسلامية خدمةً للاستعمار العالمي والصهيونية العنصرية. وقد تركت هذه المأساة ختماً من العداوة وعدم الثقة بين الحكومتين العراقية والإيرانية وفرزت لذلك فيلق بدر العسكري في إيران من المعارضة الشيعية العراقية وفي الجهة الأخرى جيش مجاهدي خلق بقايا الحزب الشيوعي الإيراني مؤيداً من حزب البعث الحاكم آنذاك في بغداد.
وقد ارتفع ثرموتر الخط في طهران بعد سقوط بغداد في التاسع من ابريل العام الماضي وبعد تلويح القادة الأمريكيين بأن سوريا وايران على قائمة الدول المقرر التدخل العسكري لفرض الديمقراطية والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي فيها وتنفيذ حملة ضغط نفسية نفذتها لجنة الطاقة الذرية في النمسا ومديرها العام المستر محمد البرادعي على تفتيش المنشآت النووية الإيرانية. وخشيت الحكومة الإيرانية ان تكون هذه الضغوط سبباً لرغبة التدخل الأمريكي في شؤون إيران الداخلية وتحصيناً من الأفكار المحيطة بإيران تقدمت خطوة نحو الأمام، حيث اصبح فيلق بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية نواة قوات الشرطة العراقية في مدينة البصرة والعمارة والناصرية وبذلك أصبح العمق العراقي الأمني مؤيداً لإيران ووجهت سلطة مجلس الحكم السابق وبعدها حكومة علاوي المؤقتة الاتهامات المبطنة لبعض دول الجوار وتحميلها مسؤولية التسلل الارهابي الى العراق وأيضاً عن التفجيرات والاغتيالات لرموز من الطائفتين السنية والشيعية، وقد ألقت القوى الأمنية في منطقة خان ضاري على مجموعة إيرانية نفذت عملية اغتيال الشيخ ثامر الضاري الداعية الإسلامي وشقيق الدكتور حارث الضاري رئيس الهيئة العليا للعلماء المسلمين ووجهت نفس التهم لعملاء إيرانيين عن جريمة اغتيال اربعة شيعة من سائقي سيارات النقل بقطع رؤوسهم وتعليقهم على مدخل جسر الفلوجة وذلك لإثارة الفتنة بين الشيعة والسنة. ولكن الوعي الوطني العالي لديهما فوت هذه الفرصة للتمهيد لحرب أهلية طائفية بين أبناء المذهبين السني والشيعي في العراق.وقد فجر حازم الشعلان وزير الدفاع العراقي قنبلته العنقودية حين اتهامه إيران بالتدخل في شؤون الأمن الداخلي العراقي وتزويد بعض المنظمات الارهابية ومقاتلي جيش المهدي الموالي لمقتدى الصدر بالسلاح والعملات المزورة، وكان وصفه إيران بالعدو الوحيد للعراق أثراً سلبياً واضحاً لهذا الاتهام بالداخل والخارج وقد تزامنت هذه التصريحات غير الودية بين البلدين مع عملية اختطاف الدبلوماسي الإيراني بالقرب من كربلاء حيث كان من المقرر افتتاح القنصلية الإيرانية في منطقة كربلاء ووجهت له تهمة التجسس وترويج عملات مزورة، وظهرت ايضاً على السطح مطالبة الحكومة العراقية بالطائرات الحربية والمدنية التي أودعها صدام حسين لدى الحكومة الإيرانية أثناء حرب تحرير الكويت عام 1991م، واعتبرتها إيران آنذاك جزءاً من التعويض المادي للحرب العراقية الإيرانية.إن بين البلدين مخلفات كثيرة تريد حلولاً بعد أن دامت بينهما حرب شاملة قاسية لأكثر من ثمانية أعوام اتسمت في أكثر من فصولها بالوحشية واللاإنسانية حيث استخدمت خلالها كل أنواع الأسلحة التقليدية والمحرمة دولياً، واننا نتمنى ألا تكون فوهة المدافع ساخنة لحد الآن بين البلدين الجارين المسلمين وان يكون العقل والحكمة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار سمة العلاقات المستقبلية بين إيران والعراق وتطوى ذكريات ثمانية الأعوام من الحرب والبارود والدم الى الأبد.
(*) محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودي |