هدنة للعقل العراقي

أكثر ما يحتاجه العراق فرصة لاستعادة الأنفاس، فهو في لهث لايتوقف منذ حوالي 17 شهرا مع بداية هذه الحرب الشرسة، ومع هذا الركض والقتال المستمر ليس ثمة فرصة للتأمل بإمعان في الأضرار الفادحة على الأرض، إذ إن التفكير عقب كل معركة ينصرف فورا إلى المعركة القادمة، والدم المهدر يحفز على سفك المزيد من الدماء..
وفي النجف يجري الآن كتابة سطور مأساة أخرى يموت فيها العراقي برصاص أخيه العراقي بمساندة القوى الأجنبية، ومع فداحة ما يحدث فإن الدمار الداخلي لم يعد يتناول فقط هذه الأشياء المادية التي تتلاشى بطريقة تحمل على الأسى مع ضياع أنفس عزيزة وغالية، لكن هناك أيضا دمار لأواصر وعلاقات طالما حافظت على نسيج اجتماعي متفرد أعطى العراق سمته الخاصة..
إن شروخا كبيرة باتت ترتسم على الجسد العراقي، ومن الصعب ترميم أو إزالة هذه الآثار الظاهرة والواضحة بل والصارخة، وقد يصح القول: إنه يمكن الحد من استشرائها.
إفرازات معركة النجف صارت لها امتدادات داخلية وخارجية ، فإلى الجنوب من النجف وفي البصرة ظهرت تهديدات صريحة بالانفصال في إطار حرب الكلمات التي تواكب المواجهات بالأسلحة، ودخل النفط العراقي عنصرا في المعركة الداخلية العراقية من جهة التهديد بالاستيلاء على مرافق الإنتاج والتصدير..
وفي النجف أيضا تولد العنصر الأجنبي من خلال الاتهامات التي يتم توجيهها إلى إيران..
ولهذا نقول: إن هذه المعركة لا تغري إلا بالكثير من المعارك، مع كل هذه الامتدادات الداخلية والخارجية.. إذ سرعان ما يتضخم اتهام هنا أو هناك، ويأخذ حجما غير حجمه على خلفية هذا الغليان في النفوس، وسرعان ما تمتد الأيدي إلى الزناد في ظل ظروف الاقتتال، وكان يمكن توفير ذلك إن كان الحال هو غير الحال، فالظرف القتالي لايفرز في الغالب الأعم إلا أفعالا من ذات النوع القتالي..
ولعله في هذه اللحظة ينبغي التدخل، والأجدى دائما أن تبرز مبادرات جسورة من أهل العراق ذاتهم بدعم عربي فاعل يضع في اعتباره أن اتساع رقعة الحريق أكثر مما هو حادث سيجعل من الصعب محاصرة النيران التي ستأتي على الأخضر واليابس..
ومن المهم بل المطلوب بإلحاح إفساح المجال أمام المبادرات الخيرة التي تعكس تفكيرا عقلانيا سليما يعمل على إنقاذ العراق وأهل العراق..
فالعقل العراقي الذي أبدع وأثرى الكثير من المجالات قادر على الخروج من المحنة، لكن من الضروري أن يأخذ هذا العقل هدنة حتى يتمكن من إزالة آثار المعارك التي لحقت به ليستطيع الحفاظ على الصيغة المثلى للتعايش من خلال ابتكار وإنتاج الوسائل اللازمة للحل..