الأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة العربية السعودية لا يختلف في غرابتها عن واقعنا اثنان عاقلان، فكلنا يعلم أن وطننا هذا كان ولا يزال وطن الأمان والاطمئنان. وحين كانت المتغيرات بما حملته من دمار وخراب وسفك دماء تجتاح العالم من حولنا، بما فيها دول شقيقة لنا، ظلت المملكة بمنأى عن كل ما يعكر صفو أبنائها. حتى الاستعمار بمختلف صفاته المباشرة وغير المباشرة لم يجد له مكاناً على أرضنا عبر الدهور، وظلت رايتنا عالية خفاقة لم تضعفها هبَّات العواصف الوافدة من الجهات الأربع.
فمن أين أتى هذا الجديد البغيض؟! ومن أين تسرَّبت إلينا علامات الشر وأصابع الشياطين؟! بل كيف لنا أن نصدق أن واحداً منا أصبح يحسب لخروجه من بيته حساباً أياً كان نوعه؟!
لعل في بعض العقليات البسيطة الساذجة ما يجيب عن هذه التساؤلات، فهل هناك مَن يصدق أن معلمة ترعى الناشئة وتعدها للغد المختلف لا تزال ترفض أن تسمي ما يحدث على أرضنا إرهاباً، وتصر على الأطفال الذين تعلِّمهم ألا يسموا هؤلاء إرهابيين، بل وتؤكد عليهم أن يسموهم مجاهدين! ثم تتردد وتقول :(هاه، ما أظنهم مجاهدين، والله ما أدري وش هم)!!.
المشكلة أنني واثقة من أن تلك المعلمة لا تنطلق في رؤيتها هذه من اختلاف في وجهات النظر أو استنباط لفلسفة حياتية مختلفة، أو أنها تملك تصوراً مغايراً لما هي عليه.
إن كل ما في الأمر أنها لا تعرف ماذا يدور حولها، وأنها لا تملك الوعي الكافي لتدرك أن ما تراه من تلك الفئة الضالة هو إجرام بكل معنى الكلمة، لذلك تراها تشفق على هؤلاء؛ لأنها ترى فيهم براءة الصغار الذين انساقوا وراء غيرهم، ولم يتبينوا طريق الحق والهدى.
هذا كلام صحيح، لكن ما دور المعلمة في توعية صغارها على مقاعد الدراسة؛ كي لا يكونوا كهؤلاء مغرَّراً بهم يفجع مقتلهم الكثير من الساذجين والساذجات؟ ثم أما آن الأوان لنا أن نعيد حساباتنا بشكل جدي وواعٍ في مستوى أولئك الذين ندفع إليهم بفلذات أكبادنا ليشكِّلوهم كما تهوى نفوسهم دون وعي واستعداد وكفاءة وتقدير؟!
أما آن الأوان أن تنشط وزارة التربية والتعليم وإلى جانبها وزارة الإعلام في إعداد الخطط الضرورية لتوعية مثل تلك المعلمة، وعقد الندوات والمحاضرات والدورات التدريبية أثناء الخدمة، وهو ما من شأنه ألا نقع فريسة الجهل وعدم المعرفة.
نحن أمام خيارين: الأول إما أن نستمر بسلبيتنا تجاه ما يحدث لنا، ونكتفي بالسلامة، ونرضى بأنانية لازمتنا طويلاً أسهمت في تضييق مفاهيمنا وآفاقنا. والثاني: أن نبادر إلى دورنا فنؤديه، فنسهم في رفض ما يحدث وتوعية من لا يفهم ما يحدث، والتنبيه إلى مخاطر ما يحدث على مستقبل الوطن، وتوظيف إمكاناتنا الكثيرة في السياقات الضرورية في مختلف المجالات التوعوية والتطويرية، وتغيير كل ما هو في حاجة إلى تغيير.
السكوت مرفوض، والجهل بالشيء مرفوض، والعمل على الإصلاح واجب ومطلوب، أما أن يتبقى بيننا مَن ينسى محاولة ذبح الوطن، ويشفق على مقتل سفاح قاتل، فهو آخر ما يمكن تصوره وآخر ما يمكن قبوله، وعلينا أن نضع اليد على الجرح، ونفهم ما قالته تلك المعلمة حين سئلت: كيف ترينهم يقتلون أهلهم وتعتبرينهم مجاهدين؟! فأجابت: (أنا بنفسي ما أدري).. فمن هو الذي من واجبه أن يجعل تلك المعلمة وأمثالها يدرون..؟!
وتاليتها..
فاكس:2051900 |