يسيطر الحديث عن القلق والأرق بسبب الأوضاع السياسية العالمية على معظم ما يُقال ويُكتب هذه الأيام. فالحروب تشتعل، ويوحي لهبها بحروب أخرى تقف على طريق الصراع تنتظر الاشتعال، واختلاف الرأي الصارخ يدل على أن الأزمات السياسية والعسكرية التي ينتظرها العالم ستكون أشد مما حدث إلا إذا قدَّر الله غير ذلك؛ أي أننا نعيش في زمن الفتن التي يرقِّق بعضها بعضاً؛ لأن كل واحدة منها تأتي أعظم من الأخرى.
إن الأوضاع العالمية تدعو إلى القلق والأرق، وما الذي يملكه إنسان يعيش على الكوكب الأرضي وهو يقرأ ويسمع ويشاهد أخباراً دامية تدلُّ على مدى الانحدار الذي وصلت إليه مسيرة المدنية المعاصرة أخلاقياً وفكرياً وسياسياً.
ماذا يصنع الإنسان الذي يفتح عينيه على صور الأسى، ويغمضها على صرخات الجرحى والمعذَّبين؟! كيف يتعامل مع أحداث عالمية دامية يرى بعينيه كيف تجري أمامه ويد الظلم والعدوان وتزييف الحقائق هي التي تدفعها إلى الأمام؟!
حينما يجمع الإنسان أمامه صُحُفَ يومِهِ منذ الصباح فإن أول ما تقع عليه عيناه المجهدتان هو: مقتل خمسين عنصراً من طالبان، مقتل ثلاثة من التحالف في بغداد، مقتل عدد من المسؤولين العراقيين، استشهاد ثلاثة فلسطينيين في توغُّل إسرائيلي في رفح، كاربينسكي يقول: ما كان يجري في أبو غريب تم التستر عليه، منظمة تحذِّر من تفجُّر الوضع بين العرب والأكراد في العراق، القاعدة تخوض حرباً ضد قادة باكستان، أنصار الصدر يخطفون ثمانية عشر شرطياً والياور يرفض رحيل الأمريكيين، مقتل أيرلندي بالرصاص في الرياض، مخاوف متزايدة من سيناريو الخريف الساخن في الشرق الأوسط، مقتل أربعة من المارينز في أربع وعشرين ساعة ووتيرة الاغتيالات تتسارع، قلق في عمَّان من الانفلات الأمني على الحدود السورية الأردنية.
هكذا تشتعل الصحف بهذه الأخبار الدامية بعناوين لافتة للنظر، كما تشتعل الفضائيات بالصور التي تدلُّ على مدى الوحشية التي وصل إليها الإنسان المعاصر المتحضِّر الذي وصل إلى درجة كبيرة من التطور العلمي والصناعي، وفتح الله له أبواباً فسيحة من العلوم المختلفة.
هنالك عنوان بارز هو الذي يصلح أن يكون شعاراً لهذا الأسى الذي تتفجَّر براكينه في عالم اليوم، إنه عنوان هذا المقال: (القلق والأرَق).
ماذا نصنع نحن المسلمين؟
إن اللجوء إلى الله تعالى قلباً وقالباً، قولاً وعملاً، هو الطريق الأوحد للنجاة من هذه التيارات الجارفة، ولكن هذا اللجوء يجب أن يكون إيجابياً حتى تكتمل صورته، وتتحقق لنا نتائجه، بحيث يقترن بالعمل الجاد وتوفير الأسباب المادية حسب القدرة من باب (اعقلها وتوكَّل). وإنَّ من أهم جوانب العمل النافع في هذه المرحلة (الوعي) بكل ما يجري، والمتابعة الجادة الواعية للأحداث وملابساتها؛ حتى لا تأخذنا دوَّامتها على غِرَّة.
إن الغفلة والخَدَر الذهني وموت الإحساس ستجعلنا لُقمةً سائغة للأعداء الذين يَصِلُونَ سَهَرَ لَيْلِهِم بتَعَبِ نهارِهم لتنفيذ مخطَّطاتهم في عالمنا الإسلامي.
دواء القلق والأرق هو اللجوء إلى الذي خلق الكون، وهو القادر عليه وعلى مَن فيه سبحانه وتعالى.
إِشَارَةٌ
أَنَا مَا يَئِسْتُ وَكَيْفَ يَيْأَسُ مُسْلِمٌ
يَلْقَى مَتَاعِبَهُ بِقَلْبٍ صَابِرِ |
|