أصبحت السياحة في السنوات الأخيرة صناعة من لا صناعة له، يظهر ذلك جلياً من واقع الإعلانات التي تزخر بها الصحف المحلية وبعض المنشورات والمطويات التي توزع أحياناً في أماكن متفرقة.
والاشكالية هنا أن نجد بعض القرى والمدن الصغيرة التي لا يعرفها إلا قاطنوها والقريبون جداً منها أنها وبقدرة قادر قد أصبحت بين ليلة وضحاها مراكز سياحية تقام فيها المهرجانات المختلفة الأغراض والفعاليات والأنشطة السياحية المتنوعة.
أمر حسن تشجيع السياحة الداخلية لكن احترام عقول الآخرين أمر واجب، ليس هذا فحسب بل إن مثل هذه السلوكيات تفرغ الدعوة للسياحة الداخلية من مضمونها، وتصدق الرأي القائل بأن السياحة الداخلية ماهي إلا تنافس على جيوب سياح الداخل.
ومن المعروف، أن نجاح أي صناعة مرتبط بوجود مقوماتها وبدونها لا يمكن لهذه الصناعة أن تنجح فإذا كانت السياحة في الداخل لا تزال تبحث عن هوية واضحة تسوق بها نفسها أمام الآخرين في الداخل والخارج، ولا تزال تتلمس لنفسها مقومات الولادة والحياة فإنه من باب الاندفاع وعدم إدراك ما تعنيه السياحة أن نرى صفحات الجرائد اليومية مليئة بإعلانات حولت جميع مدن المملكة وقراها إلى مراكز سياحية ولم يبق لنا إلا أن نغلق حقول النفط حفاظاً على هذا المورد من النضوب طالما اكتشفنا مورداً اقتصادياً بهذه الضخامة.
ما يجب أن يدرك هو أن السياحة ليست مهرجان تسوق أو مجموعة من الحدائق أو ملاهي الأطفال بل هي صناعة مقوماتها الطبيعة والثقافة والتاريخ والآثار والموروث الحضاري للمجتمع يعزز ذلك ويدعمه ما قد يضيفه الإنسان إلى هذه العوامل لإظهارها وإبرازها للآخرين بصورة مناسبة وتسويقها بشكل يجعل منها مصدراً حقيقياً ودائماً للدخل.
مشكلتنا هو أننا نحاول أن نصطنع اصطناعاً مزايا معينة ومقومات لصناعة ما بطريقة فيها قدر كبير من التكلف الواضح الممجوج، وربما كان ذلك أحياناً بدافع التقليد لا الابتكار. يحدث هذا في حين أن المجتمع هنا يملك مزايا مطلقة لا تتيح له مجرد قدرة تنافسية عالية بل واحتكاراً.
أظن أنه لا حاجة لاصطناع مقومات غير موجودة في ظل وجود مكة والمدينة واللتين يطمح لزيارتهما والبقاء في ربوعهما أكثر من خمس سكان المعمورة ولا أظن أن هناك مزاراً سياحياً في العالم ينافسهما في هذه المكانة هذا فضلاً عن أن ما يدفع المسلمين للذهاب إلى مكة والمدينة ليست دوافع ترفيهية أو ثقافية بل دافع ديني يأخذ طابع الإلزام.
إضافة إلى ذلك تزخر مكة والمدينة بكم هائل من الآثار الإسلامية التي تعاني من الإهمال، والتي لو اهتم بها كما يجب لكانت أماكن جذب سياحي وثقافي على قدر كبير من الأهمية حتى بالنسبة لغير المسلمين.
وإذا كان تشجيع السياحة الداخلية وصناعة السياحة بشكل عام خياراً استراتيجياً وطنياً فإن التعامل مع هذا الموضوع يجب أن ينطلق وفقاً للأسس المهنية والحرفية التي تحكم هذا القطاع وتنميته لئلا تفقد المصداقية، وعندها ستكون الخسارة مضاعفة.
|