كنت أرى كثيراً من الإعلانات التي لا تدخر وسعاً في كثير من المكاتب العقارية في تسويقها عن مساهماتها التي تنوي الشروع في تنفيذها، ولاسيما في أوقات العطل الصيفية التي يرى بعض أصحابها أنها فرصة مواتية لبثها بين أوساط الناس بل وتجارهم، فترى أصحاب المكتب الواحد يشيدون بمساهمتهم، وكيف أنه يرتقب منها أرباحاً تصل إلى نسب عالية، فإذا ما جئت للواحد منهم تراه يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويثني على ما عنده من مساهمة أملاً في أن تشتري منه أسهماً لا تقل بل تكثر، فإذا انجذب إليه عدد من المساهمين، أوعز إليهم أن إعلان المدة لتوزيع الأرباح لا تبتعد كثيراً, فهي أشهر معدودات، فيمتلئ جيب المساهم الصغير نقوداً بعد أن ظن أنه خاوي الوفاض، والغريب في الأمر أن ترى بعض أصحاب هذه المكاتب ممن يطمئن المرء إليه، فيثق المساهم الغر فيه، وما علم أن في الأمر مكيدة لو فطن إليها.
وبينما تمر تلك الأشهر تباعاً؛ إذا بها تتحول إلى ردح من الزمن تصل إلى عدة من السنوات، وكلما طفق المساهم بالاستفسار عن سبب التأخير اعتذروا إليه بعقبات مع البلديات أو مع المحاكم، فهذا خطأ في الفسح، وذاك خطأ في عدد الأمتار التي تخص ذاك المخطط المساهم فيه.. إلخ، والضحية ذاك المساهم الذي غلب على أمره، فلا حول له ولا قوة، وبذلك ينقلب صاحب المكتب من الناصح الأمين في سرعة المساهمة في البدء إلى بهلواني غير عابئ بالنفوس التي وثقت به، فتتوالى مواعيد عرقوب حتى أجل غير مسمى، وبينما المساهم - والحالة تلك - إذا بالمكتب يعلن عن عزمه على تسليم شيء من رأس المال للمساهم، كأن يعطي ما نسبته 60% من قيمة الأسهم التي اشتراها، أما البقية الباقية فهي حتى إشعار آخر، فيقف المساهم حيران أسفا، ثم تبدأ نفسه بالندب عليه باللوم، فكم كان يتمنى أنه اشترى قطعة أرض أو فتح محلاً تجارياً بها لكان أسلم له وأوفق، فقد عانى الأمرين، فما بين قرض بنكي يخصم من مرتبه قسراً، وما بين مال يتعذر عليه الوصول إليه.
هذه حال شريحة كبيرة من الشبان الذين وقفت على ما يؤرقهم، يريدون أن يحسنوا وضعهم المالي ويسعوا في مناكب الأرض بحثاً عن الرزق المباح، فيصعقوا من بدء عرفانهم الوهلي، وتظلم الدنيا في عيونهم، وتضيق عليهم بما رحبت، لا لشيء سوى أن هذا المكتب أو ذاك جنى على طموحهم العنفواني، الذي يصاحب أمثالهم . قد يقول قائل: حري بصغار المساهمين أن يطلعوا على أبعاد المساهمة وفرضياتها، ثم يضعوا حسباناً لأبعد الاحتمالات، فخليق أن ينظروا بعين الوعي، فلا يكونوا كالذين تلمسوا في الظلماء، بجوابه ما حيلتهم وقد رأوا من ضمن لهم قولاً بمصداقية ما يقول وهو صاحب المكتب الذي حفزهم على الشراء!!
إذا كان الشأن يحدث على هذه الشاكلة، فليس لهم ما يحميهم من هؤلاء الذين يتلاعبون بمن أراد أن يشق طريقاً جديداً لنفسه، بعيداً عن عبور الجمال أو تساقط الصخور؟! لم لا يوضع نظام يحميهم ويحاسب عليه الفاعلون؟ فكم من صاحب مكتب راح يوظف تلك الأموال الطائلة بعيداً عن مصلحة المساهمين، كأن يجعلها في مشروعات خاصة، وداهية الدهر استغلها في مواضع مريبة أو ما أشبه ذلك، حارماً أصحابها ومستحقيها من أخذها والاستفادة منها، كنا نعيب دولاً بعينها في استمرائها لمثل هذه الجنايات، فلا أراها إلا أصبحت واقعاً مؤلماً ينخر في جسد المجتمع الذي الذي نعيش فيه، مخلفة مآسي من الويلات التي تفرق ولا تلم، وتبعد ولا تقرب، فإن كان هذا الحال سيظل سرمدياً كما الليل والنهار، فبلا أدنى ريب خلل في تعقب هؤلاء، وافتقار إلى الوقوف على ما يحيكه البعض من ظلم بواح لمن أراد المضي قدماً في السعي لما يصلح من حالهم، والله المستعان.
أحمد بن عبد العزيز المهوس
|