كنت قد قابلت الأستاذ المرحوم إن شاء الله/ عبدالله الغاطي إبان عملي في مكة أكثر من مرة، حيث كان يوقع عن سمو الأمير عبدالله الفيصل يوم كان وزيراً للداخلية (بأمره) وكان رحمه الله من الرجال المنضبطين في سلوكهم الرسمي، المحافظين على الدوام بدقة متناهية.. وصدر قرار نقلي للديوان العام بوزارة الداخلية وفي شؤون الموظفين، وكان خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره وزيرها حينذاك، والأستاذ إبراهيم العنقري وكيلاً لها، وباشرت عملي فيها اعتباراً من 1-11-1380هـ.
ومن أقوال الفهد التي لا زلت أذكرها يوم كنت في طريقي من مكتب وكيل الوزارة إلى مقر عملي، وعندما كنت في الطريق إذا بخادم الحرمين آتٍ إلى مكتبه، وإذا في الممر من اليمين ومن الشمال عدد ليس بقليل ممن يريدون مقابلته أو رفع مطالبهم إليه وقال بعد أن قرأ السلام: (يا جماعة لا أحد يجلس في الطرقات حنّا حاطين لكم مجلس وكراسي ومكيفات لجلوسكم. استريحوا هناك وأنا اللي أبجيكم!)..
وذات مرة وكانت إجراءات موظفي ديوان الوزارة لديّ وعندما وصلتني أوراق المنتدبين إلى الطائف لتدقيقها ومن ثم تنظيم قرارات وزارية بصرف ما يستحقونه نظاماً وإذا باسم سمو الوزير (خادم الحرمين) يتقدمهم بعنوان. الموظفون المنتدبون للطائف وعملت مشاريع القرارات الوزارية بصرف المصاريف السفرية وأشرَّت وطبعت وأرسلت لمكتب الوزير للتوقيع فأعيد القرار الخاص بالوزير بشرح خط يده (لا أريده).. وشاءت الأقدار أننا نحن قدامى الموظفين لقينا من المهام والمسؤوليات ما لم نعهده في حياتنا العملية، ومرد ذلك أن الوزارات عندما نقلت للرياض لم يأت معها من الموظفين سوى 50% وظلت بعض الشواغر التي أشغلت فيما بعد عن طريق النقل، وأذكر أننا كنا نداوم حتى الساعة الثانية ظهراً وبعد العصر حتى ما بعد العشاء، دون مكافأة خارج وقت الدوام التي لم تقر إلا فيما بعد، ولا أنسى أنه كانت تنازعني رغبة عارمة لإكمال دراستي واستطعت بعد أخذ الثانوية انتساباً أن أقدم ملفي لجامعة الملك سعود ولكن لسوء حظي أنني أعطيت انتساباً جزئياً ففي الصباح قبل الدوام من 7 إلى 9 محاضرة وبعض الأيام محاضرة من الساعة (2.30) وعرضت الأمر على رئيسي وشجعني بشرط أن يوافق رئيسه، فما كان من رئيسه عندما قابلته إلا أن قال لي يا تعمل يا تدرس؟؟، وحاولت ولكن بشيء من الفشل، ثم جاء سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية، ود. إبراهيم العواجي وكيلاً، وفي السنتين الأخيرتين من خدمتي في الوزارة كلفت بالعمل في إدارة البرامج والتنظيم وكان مديرها العام د. عبدالجليل السيف وكانت هذه الإدارة تضم إدارات أخرى كإدارة القوى العاملة وكان يديرها الصديق الزميل الأستاذ محمد الجربوع، وكان عملي ينحصر في التدريب والابتعاث لمنسوبي الوزارة وملحقاتها مدنيين وعسكريين بحيث أتولى إجراءاتهم ومتابعة تقارير سيرهم الدراسي في الخارج وعرض الأمور التي تحتاج إلى عرض للمسؤولين. ثم جاء سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز ليشغل منصب نائب وزير الداخلية وذات مرة كان يسير متفقداً مباني الوزارة وكان الجناح الذي يضم إدارة شؤون الموظفين تحت الترميم وعندما مر سموه وكان يسير بمعيته وكيل الوزارة والمديرون العامون أسر إليه سعادة الوكيل بأن إدارة شؤون الموظفين تحت الترميم؟! فرد سموه (والموظفون ما يحتاجون لترميم)؟! كأني بسموه يحس بأن الموظفين يحتاجون لغربلة ولمن يشد أزرهم ويلحقهم بالدورات التدريبية ويشعرهم ويرفع من معنوياتهم، وكانت توجيهات سموه على ما يرفع له من مواضيع رسمية تتسم بالدقة والعقلانية والنضوج الإداري، وكان سموه صارماً في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم ولم يك للمحسوبية أو الواسطة أو العاطفة أي أثر في حياته العملية، وكم تعلمنا نحن صغار الموظفين من صبره ودأبه وحبه لعمله وبقائه إلى ساعة متأخرة من الليل، وذات يوم استدعاني سعادة الوكيل الدكتور العواجي وبشرني بأنني الوحيد الذي فاز في مسابقة وظيفة (باحث قضايا م-9) بالوزارة ولم أصدق إذ أن من زملائي من يحمل الجامعية في الشريعة ومنهم من يحمل الماجستير.. ولكن ما كسبته من خبرة في وقت متقدم من عمري حيث أحسنت إلى الوظيفة بجميع حسناتها إلا أن إساءتها في عدم تهيئة الفرصة لي لإكمال دراستي الجامعية كانت قاسية.. وعدم تقدمي الوظيفي مثل زملائي كان أقسى!!. بتاريخ 1-1-1400هـ وبالقرار رقم (1) باشرت العمل نقلاً للديوان العام للخدمة المدنية (وزارة الخدمة المدنية حالياً). ................ وإلى اللقاء
|