الأزمات مراحل، ولكلّ مرحلة تساؤلاتها الخاصة بها. وإن كنا - بتجربتنا مع الإرهاب - قد أجبنا عن تساؤلات مرحلتي: مَن يكون هؤلاء؟ وما هو هدفهم من ذلك؟ فنحن نمرّ حتماً عبر المرحلة الأهمّ بتساؤل مهمّ؛ ففي اعتقادي أنه لو تمّ سؤال أيّ مواطن سعودي - عبرَ مختلف أطيافه - عمّا هو أشهر سؤال يتمّ تداوله اجتماعياً في أعقاب ما حدث من أعمال إرهابية لأجابك على الفور بالقول: إنه السؤال المتمحور حول (هل سوف نستفيد ممّا حدث؟).
وبالطبع فهناك العديد من الأسباب المنطقية التي تبرّر رواج مثل هذا السؤال، من ضمنها ما يتمثل في حقيقة أن الأزمات توفر أغلى الفرص لإحداث التغيّرات الاجتماعية المناسبة؛ فالأزمات تستثير الوعي، وتستحث الإدراك؛ الأمر الذي من شأنه أن يوفر كافة فرص الحفاظ على جوهر الثقافة، والمبادرة في الوقت نفسه لسدّ ما أحدثته وتحدثه هذه الأزمات من فجوات وثغرات، وإصلاح ما هنالك من خلل، بل وتجديد الحياة بضخ دماء العلاجات الناجعة المناسبة في شرايين المجتمع.
كذلك من أسباب شيوع هذا السؤال ما يتمثل في القول: إن المجتمعات الإنسانية سواسية فيما تواجهه من مآسٍ ومشكلات وأزمات، غير أن المحك (الفاصل) هنا هو طبيعة الحلول المتخذة لغرض التعامل مع الأزمة قبل وأثناء - وأهمّ من ذلك - وبعد وقوع هذه الأزمة. وهذه النقطة بالذات هي - في رأيي - ما تشير إليها مضامين المثل العربي القائل نصّه: (ربّ ضارّة نافعة).
أخيراً من أسباب شهرة السؤال المشار إليه آنفاً حقيقة أن الأزمات تقدّم لنا في الواقع وصفة تشخيصية مجانية كفيلة - فيما لو تمّ الأخذ بها - بمدّنا بالقدرة على استئصال أمراضنا الحضارية - الفكرية ذات الجذور الداخلية. ويدخل ضمن ذلك ضرورة الوعي بخطورة تبعات الإصرار على التعامل مع النتائج بوصفها أسباباً؛ حيث إن مثل هذا النهج من شأنه أن يقود إلى استمراء القفز على واقع هذه الأسباب؛ ممّا يمنحها بالتالي كافة عوامل وعناصر التجذر والاستفحال والتعقد.
|