Monday 9th August,200411638العددالأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

المروءة في أجمل مقولة المروءة في أجمل مقولة
حمد عبدالرحمن المانع

سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال: (اجتناب الريب وإصلاح المال والقيام بحوائج الأهل) هذه المقولة المفعمة بالاتزان والتعقل تجبرك أيما إجبار على احترام قائلها، والمعنى القيم الفذ وما تحتويه جملته المتسمة بعمق الوصف ودقة التعبير مستندا على ثلاثة محاور أساسية:
- اجتناب الريب، لله درك يا ابن شهاب، وأنت تعي ما تقول، فما عصفت بالقلوب والعقول معا سوى الريبة، إذ إنها تقفز من حين لآخر على الشكوك السهل امتطاؤها، وتسير بها عبر دهاليز الغموض إلى أراضي جدباء مقفرة، تفصح عن مكنونات وفاضها خالية من تحقيق الحد الأدنى من الإيجاب، فضلا عن الانقياد خلف أوهام لا تعدو عن كونها تكبيلا للمدارك وما تمارسه من ضغوط تخالف المنطق السليم بكل أبعاده، حينما يضيق الأفق، ويحجب الضوء الساطع ليحل محله ضوء باهت مخيف، ويمارس التصور المغلوط دورا مشبوها، بأن هذا الضوء هو المؤمل والمرتقب، بيد أن الواقع خلاف ذلك، وقياسا على ما تم ذكره فإن المرء حينما يرغب في شراء سلعة معينة فإن ساوره الشك ولو بنسبة ضئيلة بعدم جدوتها، فإنه يعرض عن شرائها متوخيا الحذر في هذا الجانب، وهذا التصرف في الواقع تفرضه حتمية التعاطي واضعا في الاعتبار المصلحة ما ينأى به عن شراء هذه السلعة أو تلك بتركها، فإذا كان الأمر بهذه الصورة أفلا يكون للمصلحة اعتبار في أمور أهم وفي تأثيرها أعم، وإذا رغب المرء في سلك طريق فإنه يختار الأسهل والأوضح، لكي يتجنب المخاطر ويبلغ مراده بسلام، وإن تحتم عليه السير في وضح النهار، وعندما يكون الخطأ مقياسا فإنه بلا ريب سيفرز مفاهيم خاطئة، وإذا كان صائباً فإنه كذلك، وبين الخطأ والصواب تجثم الحيرة وتخضع لفترة حضانة لا تلبث أن تفرز فيروسا صغيرا فتاكا اسمه الشك، ما لم يتم احتواؤه والوقاية منه بل والحد من انتشاره بلقاح فاعل ألا وهو اليقين المطلق بالمولى عز وجل واتباع سنة سيد البشر عليه أفضل الصلاة والتسليم القائل في الحديث الشريف
(دع ما يريبك إلا ما لا يريبك).
- إصلاح المال، من المعلوم أن المال قد يكون سببا في سعادة صاحبه وقد يكون تعاسة له، من خلال كسبه أولا وإنفاقه ثانياً، إذ يترتب على كسب المال، جوانب من غير اليسير إهمالها أو تجاوزها، إذا لم توضع في الاعتبار مخافة الله عز وجل أولا وقبل كل شيء، وذلك بالابتعاد عن الغش والتدليس، والرشوة، والاختلاس، ناهيك عن بيع الأمور المحرمة والتي قد تعود بالضرر على الإنسان أيا كان شكلها ولونها، وإذا كان الكسب يخضع لمقاييس دقيقة ومنظمة في هذه الناحية، فإن إنفاقها لا يقل أهمية من حيث التحرز والتحوط، وأن تصب في مكانها الصحيح وفقا لصفاء وسلامة النية والقصد، وحينما تصب هذه الأموال في قنوات الخير لتعين يتيما وتطعم مسكينا وتأوي خائفا تائها مهلوعا، فإن هذا لعمري المكان الصحيح اللائق، والذي سيعود بطبيعة الحال على صاحبها بالأجر والمثوبة من لدن عزيز مقتدر قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } ومن دلائل الشكر البذل الخالص النقي من الرياء والسمعة، وامتدادا جميلا للتكافل الذي بدوره يبني جسورا من المحبة والألفة بين أبناء المجتمع الواحد ويجسد ما يتمتع به أخلاق أبنائه الفاضلة والتي تتدفق نبلا وعطاء لا ينضب، بل إن عوائده لا تبرح أن تضفي السكينة والطمأنينة عليهم في الدنيا والأجر والمثوبة بإذن الله تعالى في الآخرة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
- القيام بحوائج الأهل، لا ريب أن البعض يقصر في هذه الناحية، وكاتب هذه السطور ليس بمعزل عن هذا التقصير أيضا، ولأن الوقت هو الوقت بمعنى أن اليوم والليلة 24 ساعة، لذلك فهي تتوزع بين أداء الواجبات الدينية والنوم والعمل والقيام بحوائج الأهل، وقد لا يسعفك الوقت في كثير من الأحيان، فوقتنا الحاضر يختلف عما كان في السابق، بل إن الحياة العصرية وما يرافقها من تطور مذهل في جميع المجالات وخصوصا التقني منها أسهمت بشكل جلي في اختلال الترتيب، وتفهم الأطراف كذلك لهذه المعطيات، وهذا حتما لا يبرر التقصير بقدر ما تسهم العوامل آنفة الذكر في حديثه، فإن تحقيق الحد العلى وليس الأدنى منه أمر ضروري، لأن الأدنى سيضحى دليلا حيا على الافتقار إلى المروءة، والحد الأعلى لا يفرض أن تتفرغ كليا لأداء هذه الحوائج، بل إن الموائمة والإنصاف في توزيع الوقت من شأنه تحقيق التوازن في حين أن المرونة في التعامل عبر التفاهم المبدع والمقنع في ذات الوقت من الأهمية بمكان حينما تتكئ المبررات على أجوبة منطقية مقنعة كذلك، فعلامة الرضا بحد ذاتها تعتبر قياما بهذه الحوائج، رحمك الله يا ابن شهاب منحتني حساسية جميلة بديعة كلما قمت في حاجة لأهلي وأنا أذكرك بالخير بل وأشكرك على هذه المقولة الحكيمة الرائعة والتصنيف الدقيق.
وتقبلوا تحياتي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved