في المفهوم الإسرائيلي، فإن كل ما يهم الشأن الفلسطيني ينبغي أن يحمل لمسة إسرائيلية، ولو كان الأمر يتعلق بالمسائل الأمنية التي في العادة تكون محاطة بقدر من الخصوصية، فإسرائيل لها كلمتها حتى في طريقة عمل الشرطة الفلسطينية، وهي في هذا المقام تتطلع إلى رؤية شرطة دون أسلحة، وتستثني من ذلك الهراوات، ومع ذلك فهي تطالب بأن تنشط مثل هذه الشرطة في المهام المطلوبة منها في ساحة مضطربة كالساحة الفلسطينية..!! هذا الكلام وجدت إسرائيل أنها يمكن أن تقوله في إطار المحادثات الأمنية الجارية بينها والسلطة الفلسطينية، وتخشى إسرائيل أي سلاح حتى ولو كان بأيدي الشرطة، لكن رؤيتها للشرطة الفلسطينية لا يمكن أن تتواءم مع الواقع ولا يمكن أن تنطبق على أي شرطة في العالم، والأحرى أن إسرائيل تمارس مناكفاتها المعتادة، وهي تدرك أنْ لا سبيل لتنفيذ ما تطالب به..
الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع الشأن الفلسطيني بصفة عامة تنطوي على قدر كبير من التعالي والازدراء، وهي لا تفتأ تذكِّر الآخرين بأنها قوة محتلة، وأنها تمارس سلطاتها اللامحدودة باعتبارها سلطة مطلقة، ومن هنا تخرج منها مثل تلك المطالبات الغريبة.. وبقدر ما تعبر تلك التصرفات عن تجاهل لمعطيات ساحة مضطربة، وبقدر ابتعادها عن كل مايمكن أن يقود إلى التهدئة المطلوبة لمواجهة استحقاقات السلام، فان الأفعال الإسرائيلية تنجح فقط في تأجيج أوضاع مضطربة.. وتدرك إسرائيل أن ما تقوله أو ما تفعله لن يخيف هؤلاء الفلسطنيين الذين شبوا على مقاومتها، ولم تنكسر لهم شوكة رغم ما تنزله بهم يوميا من صنوف القمع والتنكيل..
وإذا كانت إسرائيل تصر على الرهان على تفوقها النوعي في التسليح وما تجمع لديها من قوة تستمدها بصفة أساسية من هؤلاء الذين يدعمونها، فقد برهن الفلسطيني من الجانب الآخر على قوة فذة في الصمود تتداعى أمامها كل هالات الجبروت الإسرائيلي التي تظل واهية لأنها غير مسنودة بحق وغير مدعومة بشرعية..
|