تعتبر الصناعة أياً كانت أحد مقومات بل ركائز وأركان أي بلد، وبدون أن نجد للصناعة تواجدا في بلد ما، فمعلوم أن مصير ذلك البلد هو الصراع من أجل البقاء، ولعلنا نعلم شيئا آخر، انه حتى خيرات الأرض، من زراعة وذهب أسود (بترول) لن يتحقق منهما أي فائدة مرجوة دون أن يتم إعادة تكوين أو تكرير ذلك المصدر الخام إلى إنتاج صناعي تتحقق منه نتائج تنموية مبتغاة، ومبدأ تحقيق الصناعة لا يتأتى جراء الحصول على آلات صناعية مستوردة سواء كانت ذات تقنية عالية أو تقليدية، حيث يظل المصدر البشري هو الأساس المكون لأي منتج كان، وظلت بلادنا منذ أزمنة مديدة وهي تسعى جاهدة نحو تحقيق منتجات صناعية على الأقل ذاتية الاكتفاء، وإن كان هناك بعض من الاحتياجات التي لابد من استيرادها بجانب المنتجات المحلية، فأمام ذلك أنشأت مئات المصانع والمعامل الفنية، للوصول ولو إلى الحد المقبول من أعمال التصنيع، إلا ان الأمر- ولله الحمد- جاوز نسبة طيبة في نمو البلاد من المنتجات ذات الطابع الصناعي الوطني، لكن المستهلك في بلادنا سواء كان مواطنا أو مقيما، لا يقر البتة أن منتجاتنا الصناعية هي من صنع أبناء الوطن بالرغم من دراية بعض من المطلعين على أمور الصناعة أن هناك مشاركة ولو نسبية من أبناء الوطن فيما يتعلق بخطوط الإنتاج الصناعي، وكذا الإشراف عليها، لذلك انقسم المستهلك هنا إلى قسمين، قسم يذكر أن ما يقرؤه على ما يكتب على كافة أو الغالبية العظمى من المنتجات الصناعية لدينا هو عبارة صنع في البلد الفلاني أو العلاني، وقسم يذكر أن ما يقرؤه على بعض من المنتجات هو عبارة صنع في السعودية، ومع هذا فإنه يردف هذا الأخير قائلاً: إنني لست مؤمناً على الإطلاق أن الإنتاج وطني بالكامل، بسبب أن جميع أو غالبية القائمين على الإنتاج في المصانع السعودية هم من الوافدين، أعتقد أن ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي الأخير الذي هو محور هذا المقال: إن فيه من الصحة نسبة عالية، فالشباب لدينا والذين حصلوا على تدريب وتعليم في الدراسات الفنية، لم يلتحقوا بالعمل في هذه المصانع، وتلك الفئة هي التي يفترض أن تنخرط في ذلك، وليس من سلك دراسة العلوم الإدارية على سبيل المثال، إذن لاشك أن هذا الامر يشير إلى قضية يجب أن نقف عندها وندرك أنها كبيرة جداً وذات مخاطر عالية، وأن عدم الاهتمام والعناية بها أمر أكبر إشكالاً، فلابد من أن تسعى الجهات المعنية بمخرجات التعليم الفني والتدريب المهني، وشؤون العمل، وكذا المشرفة على أمور الصناعة في البلاد، بالتركيز على هذه القضية، وجعلها محل اهتمام بالغ، لأن الإحصائيات الصناعية لدينا، تذكر لنا أن هناك أكثر من ألف وثلاثمائة مصنع، يعمل فيها قرابة سبعمائة ألف عامل، هذا فضلاً عن المصانع غير المرخصة، وكذا المعامل التي تؤدي دوراً شبه صناعي، وإذا كان هذا العدد من العاملين تمثل فيهم العمالة الوطنية ما نسبته من 1-4 في المئة، والمقصود في توافر هذه النسبة إن صحت كذلك هو ما يفترض من أن يقوم على عملية الإنتاج الصناعي فعلياً، وليس من كلف بأمور الحراسة أو الشؤون الإدارية داخل المصنع، ويتم إدراجه ضمن هذه النسبة، لأهمية هذا التوجه، ولهذا فإنه إن كان هناك توجه فعلي من أن تنطبق عبارة (صنع في السعودية) على الواقع كما قصد منها، فإنه لابد من مبادرة وطنية نحو ذلك لسعودة المصانع بالكفاءات المطلوبة، والمسؤولية هنا مناطة بالجهات الثلاث (وزارة العمل- وزارة التجارة والصناعة- المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني) بأن يسعوا جميعاً نحو تشكيل رسالة وطنية تؤتي ثمارها لنيل طموحات وطنية مبتغاة، وإلا كان دورنا فحسب هو كتابة عبارة (صنع في السعودية) على منتجاتنا الأجنبية الصنع محلياً.
* الباحث في شؤون الموارد البشرية
|