قرار معالي وزير العمل الذي نُشر في الصحف مؤخراً نصَّ على (حظر جميع أشكال المتاجرة بالأشخاص، كبيع تأشيرات العمل والحصول على مقابل لتشغيل العامل والإخلال بالالتزامات التعاقدية والاستخدام اللا إنساني والمعاملة غير الإنسانية وغير الأخلاقية وتشغيل الأطفال واستغلالهم والاستقدام بهدف التسوّل).
وهذه الأعمال لا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن توافق عليها ولا يمكن لأي شعب متحضِّر إلا أن يحاربها.. وهذه الأعمال ممنوعة ومحظورة بحكم التشريعات السعودية التي من ضمنها نظام العمل والعمال الصادر قبل خمسة وثلاثين عاماً.. وغير خافٍ علينا جميعاً ما يلحق البلاد والعباد من ضرر بالغ نتيجة تفشي هذه الأعمال خلَّصنا الله منها.
ما نود مناقشته مع المشرعين, سواء في وزارة العمل أو غيرها هو مسألة توسيع دائرة هذا القرار حتى يشمل الحظر رسوم رخصة العمل ورخصة الإقامة ورسوم تأشيرة الدخول وتأشيرة الخروج.. هذه الرسوم ليس لها علاقة بالمتاجرة بالأشخاص وتدفع مبالغها إلى خزينة الدولة بالكامل ولا نعرف سبباً للإصرار على أن يتحمَّلها أصحاب الأعمال.
سبق أن كتبت وقلت إن وضعنا فريد بين الدول فنحن نوفر للأجانب وظائف بالملايين دون أن نحصل من دولهم على أي تنازلات أو مساعدات من أي نوع مثلما تفعل معظم الدول المتقدمة.. إضافة إلى هذا السخاء فإننا نشترط على أصحاب الأعمال أن يقدموا للموظف الأجنبي وأسرته تذاكر السفر المجانية, كما نشترط على أصحاب الأعمال أن يوفروا للموظف الأجنبي السكن المجاني والأكل المجاني والطب المجاني ومصاريف جميع الرخص المطلوبة إضافة إلى الرسوم, سواء ما هو معلوم منها وما هو في علم الغيب، والليالي حبالى وقيمة الرسوم في ارتفاع مستمر.
هذه في نظري قرارات غير منطقية وغير عملية ولا تخدم مصلحة الاقتصاد الوطني.. دعونا نناقش الموضوع بهدوء.
أولاً: يمكن للموظف الأجنبي الحريص على الوظيفة أن يتفق مع صاحب العمل على جدولة مخصصاته المالية في عقد العمل وذلك بإنقاص الراتب الشهري بحيث يتحمَّل الموظف مصاريف الرخص والتأشيرات بشكل غير ظاهر.. (وهذه صيغة معمول بها من بعض المؤسسات).
ثانياً: يمكن للموظف الأجنبي الراغب في الحصول على الوظيفة أن يتفق مع صاحب العمل بموجب مكاتبات قانونية موثقة أنه حصل على قرض من صاحب العمل يعادل قيمة الرسوم.. يقوم بتسديده الموظف من رواتبه الشهرية.. (هذه الصيغة أيضاً معمول بها من قِبل بعض المؤسسات).
ثالثاً: ما دمنا لا نقر مبدأ الحد الأدنى للأجور ونترك الأجر الشهري الأساسي لاتفاق طرفي التعاقد، في حين أن الأجر الشهري هو أهم عناصر الاتفاق, فإذن لماذا لا نترك التفاصيل لاتفاق الطرفين.
رابعاً: غير معروف سبب إصرار ممثلي الحكومة على تحمل أصحاب الأعمال للرسوم:
أ - هل هو شفقة على الموظف الأجنبي؟ هذا مدفوع بما أوضحناه في النقاط الثلاث أعلاه.
ب - هل هو مصلحة الاقتصاد الوطني؟ يصعب أو بالأحرى يستحيل الربط بين هذا وذاك، ولكن العكس هو الصحيح.. فتحميل الرسوم على الموظف الأجنبي يعني أن يصرف بعضاً مما يجنيه داخل بلادنا.
خامساً: لو قارنا بين دخل أي موظف أجنبي في دولة الإمارات (دبي) مثلاً ودخل مثيله في المملكة.. لوجدنا أنه وان تقارب دخلاهما إلا ان الموظف في دبي يحوِّل إلى بلاده ما لا يزيد على 25% من دخله.. بينما الموظف في المملكة يحوِّل دخله بالكامل إلى بلاده وحري بنا ان نتقصى الأسباب.
سادساً: مما يؤسف له حقا اننا مع كل هذا السخاء المبالغ فيه لصالح الموظف الأجنبي إضافة إلى عدم حصول المملكة على أي مزايا سياسية أو تجارية من الدول التي نستقدم منها بالملايين, فإننا ما زلنا نعمل بنظام يمنع الأجانب من الاستثمار في بلادنا، وفي نفس الوقت فإن إعلامنا يتبارى في إظهار حجم المبالغ المحوَّلة من الأجانب إلى بلدانهم.. واللوم دائماً على القطاع الخاص. وهذا خطأ.. إنني وبكل إخلاص أدعو إلى منح الفرصة للأجانب العاملين في المملكة للاستثمار في بلادنا.. وإذا كنا نريد ان نثبت لأنفسنا وللعالم أننا نعاملهم بإنسانية, فلنضع التشريعات المحكمة التي تحمي استثماراتهم.
ثم إنني أدعو إلى عدم إرهاق الاقتصاد السعودي وأصحاب الأعمال السعوديين بمصاريف الأجانب ورسوم تشغيلهم وأن نترك هذه الأمور لاتفاق الطرفين فالرضا سيد الأحكام.
وعلينا أخيراً ألا نعطي تقارير المنظمات الأمريكية لحقوق الإنسان أكبر مما تستحق من الاهتمام.. هذه المنظمات مطعون في أخلاقها ومطعون في أهدافها.
وإذا كانت حريصة على حقوق البشر كما تدّعي فإن مجال عملها الأساسي في فلسطين في الدرجة الأولى.. حيث يصادر الإسرائيليون حقوق الفلسطينيين وبدعم مباشر من حكومة هذه المنظمات.
أما في المملكة العربية السعودية فإننا نوفر الوظائف والتدريب المجاني والمبالغ التي تدعم ميزانيات بلدانهم وكل منصف يعلم ويقر أن حق الأجنبي محفوظ في بلادنا.
|