قصة الكاتب المبدع عن النهر العظيم تعتبر امتصاصاً لمرارة تجرعها قومه عبر تاريخهم الطويل.. وتشخيصاً رفيعاً لمرض عضال لازالت بلاده تعاني منه الكثير.. وقد أصاب مواضع الألم وتمكن من تشريح حياتها بمهارة راقية.. فبسط الحقيقة ببراعة نادرة بمسحه الغشاوة عن العيون بجرأة متزنة رأى فيها شبه علاج لايكون فيه الشفاء تاماً.. وإنما قد يساعد حين تظهر الصورة واضحة على التخليص لأن الرؤى عندما يجلو عنها الضباب تبرز الاشياء عارية من الزيف لتتحدد بعد ذلك المواقع.. وتتعين المعالم.. ومن ثم نبصر الطريق جيدا بحيث نتأكد من مواقع خطواتنا.. فلا تزل أقدامنا أو نتعثر بالحفر والشوك والاحجار.. ونأمن على أنفسنا من الضياع.
ان معرفة الذات -كما قال سقراط- الأساس الذي يقوم عليه بناء الأمة في مادياتها ومعنوياتها.. والمنطق لكل عمل سامق متين الجوانب.. فمن خلال محاكاة الواقع بثقة وقوة.. نحس بالعزة التي تتلوها النشوة رغم شدة مرارة الدواء.. فنفلح بسلوكنا ونسمو بانجازاتنا.. يجب الا نخشى أو نخاف أو نهرب مما نحن فيه.. لأننا حينما نفعل نكون كالنعام ندس رؤوسنا وأجسامنا في العراء مكشوفة.
لقد حقق الكاتب نجاحا فاق كل نجاحاته السابقة.. ولا أهدف بهذا إلى المفاضلة بين أعماله التي بوأته مكانة مرموقة في عالمنا.. بل أعني قوة ترجمة إحساسه بأسلوب يبدد الهموم على كثافتها.. وتناوله الأوضاع بهدوء يتسم ببساطة لا تخلو من فلسفة ساخرة طبعتها رمزية سهلة.. وصحبها سحر خلاب وصراحة من غير ابتذال تقبلتها مختلف الأفهام.. فانصبت بالأذهان.. فغدا عمله كالمصباح يفر من أمامه وخلفه الظلام.. وكصفارة انذار تمتاز عن صفارات الانذار الاخرى بأنها لا تزعج أو تحدث رعبا لأن صوتها نغم يطرب له الانسان بكآبة، وقد لعب دور المنقذ بلا ضجيج لسفينة تطفو ومن فيها لا يشعرون.. فاكتسب الاجلال رغم فرديته وضآلته حيال ضخامة السفينة.. ولكنه استطاع إقناعنا بأهميته.. فإذا بنا نتسمر مندهشين بمرح.. ونحار مبتسمين.. وفي الوقت نفسه نحس بوخز إبر ألمها لذيذ.. وكأن النقمة ولت.
المبادرة لابد منها لحسم الداء.. والحب عسل الوجود.. والايمان لب التقدم، كل هذا فهمناه فهما كاملا من غير عناء للتواضع الذي سما بالكاتب.. وعدم اتخاذه الوعظ منهجا.. ولكننا أحسسنا بالفائدة رغم هذا.. لأنه أشعرنا بأهميتنا.. فمس في استعراضه بأسلوب الند شغاف القلوب.
عبدالله الشهيل |