Sunday 8th August,200411637العددالأحد 22 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

شيئ من شيئ من
أعيدوا تأهيل أطفالهم
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

لم أتقزز من شيء مثلما تقززت من الخبر الذي يقول: إن السلطات الأمنية عند مداهمتها لأحد أوكار الإرهاب في الرياض، وهو بيت صالح العوفي الذي يقال إنه أحد كبراء منظمة القاعدة في المملكة وجدوا في ثلاجة منزله رأس الضحية الأمريكي الذي تم ذبحه ذبح الشاة، وجدوه (مبرداً) برفقة احتياجات المنزل الغذائية!! معنى ذلك أن أطفاله الذين كانوا يشاركونه السكن في نفس المنزل كانوا يلقون نظرهم على هذا الرأس المقطوع كلما فتحوا باب الثلاجة، تصوروا! هذا التصرف الذي لايمت للدين، ولا لحرمة الإنسان في الإسلام، ناهيك عن تصرفات النفس السوية بأي صلة، يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الفئة من البشر هم أبعد ما يكونون عن الإسلام بل وأبعد مايكونون عن الآدمية، ناهيك عن مكارم الأخلاق التي ما أرسل رسوله عليه الصلاة والسلام إلا لإتمامها.
وقبل ذلك كنا قد شاهدنا أحد هؤلاء الإرهابيين في شريط فيديو نشرته هذه الفئة على أحد مواقعها على الإنترنت وهو يلاعب طفله الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات بقنبلة يدوية كانت في يده، وكأنها لعبة! ويقال إن مجموعة ممن حاربوا في أفغانستان، وكان أبناؤهم يرافقونهم هناك، عاشوا في مثل هذه الأجواء، وتعودوا على التعامل مع الأسلحة والمتفجرات والقتل والدماء كما يتعود الطفل السوي على لعب كرة القدم.
هذه التصرفات الخطيرة، والمجنونة، وغير المسؤولة وغير السوية تجعلنا نطالب بضرورة التفكير في تدخل الدولة وإعادة تأهيل أطفال هؤلاء الإرهابيين، أو من هم على شاكلتهم، والذين حشرهم قدرهم السيئ مع هذه الوحوش البشرية، تأهيلاً ينسجم مع تعاليم الدين الحنيف من جهة، ومن جهة أخرى مع طبيعة المجتمع المسلم المسالم السوي.
إن ترك هؤلاء الصغار دون إعادة تأهيل، ودون تربية سوية، وفي بيئة موبوءة بهذا الشكل، لا علاقة لها بالإسلام إلا من خلال بعض مظاهره، من شأنه أن ينحرف بهؤلاء الأطفال عن التنشئة السليمة، وأن يخلق منهم مستقبلا قنابل موقوتة قد تعيد تجربة آبائهم، وهم لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا لهذه الوحوش، وتربوا في مثل هذه البيئة الموبوءة البربرية.
ففي المجتمعات المتطورة تعتبر تنشئة الطفل وتربيته وتقويمه الأخلاقي من واجبات المجتمع أولاً وليست دائماً من واجبات أو حقوق الآباء أو الأمهات، خاصة إذا كان الوالدان من هذه النوعية المتوحشة. لذلك، تهتم مدارس الأطفال على وجه الخصوص بصيانة حقوق الأطفال الإنسانية، ومراقبة سلوكياتهم، وتصرفاتهم، وعندما تلحظ على الطفل ما يشير إلى أن حقوقه الإنسانية مسلوبة أو مهدرة تطالب المدرسة وتربويوها بتدخل الدولة، وقد يصل مثل هذا التدخل إلى حرمان والديه من تربيته وتنشئته، وهذا ما نصت عليه اتفاقية (حقوق الطفل) الصادرة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44-25 في 20 تشرين الثاني-نوفمبر 1989 هذه الاتفاقية تعطي للدولة الحق في التدخل أو كما نصت أحد موادها: (تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل) .
ولا أعتقد أن هناك قاضياً يحتاج إلى دليل أقوى من أن الوالدين يعيشان برفقة أطفالهما مع (رأس إنسان مقطوع) كي يحكم بعدم أهلية هذا الأب المفترس أو هذه الأم المتوحشة في تربية وتنشئة الطفل، كما هي حالة الإرهابي صالح العوفي.
لذلك، فإنني أدعو إلى العمل، وبشكل رسمي، وجاد، على جعل الحق في التربية السوية، والتنشئة الإسلامية المستقيمة، حقا مشاعاً لكل طفل في مجتمعاتنا مهما كانت ظروفه الاجتماعية، أو تفكير وذهنية والديه، واعتبار ذلك واجبا إلزاميا على الأبوين والدولة والمجتمع مشتركين، وأن تبادر الدولة إلى وضع (آلية) نظامية تستمد من شرع الله حيثياتها لترجمة حقوق الطفل في الإسلام إلى أحكام ملزمة وواجبة التنفيذ، وتبليغها لأفراد المجتمع وللقائمين على تعليم الأطفال وبث ثقافة تربية الطفل القانونية عبر أجهزة الإعلام المختلفة، كما كانت توصية أحد المؤتمرات العربية التي بحثت في حقوق الطفل. وبذلك نضمن ألا يفرز مجتمعنا نسخا مكررة من هؤلاء الإرهابيين البرابرة في المستقبل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved