الرهان على الاستئصال وازالة الآخر في العراق ضرب من المستحيل، يصدق ذلك على العراق كما يصدق على غيره.
في العراق حيث بات جل الامر رهناً بتدخل السلاح فإن هناك من يتطلع الى ازالة الآخرين من على الخارطة، ولهذا نرى هذا الاستخدام المفرط للقوة.
يحتاج العراقيون الى ترتيب اوضاعهم من خلال اسكات السلاح ولو الى حين، وعليهم خلال هذه الفترة رؤية المدى البعيد من الدمار الذي تحقق على ايديهم وكيف انهم يفقدون مواطنيهم وابناءهم، ومعظمهم لا دخل لهم فيما يحدث.. فالعراقي يموت بذات الرصاص العراقي كما يموت برصاص القوات الاجنبية او قوات الاحتلال وذلك في عمليات متواصلة بشكل مخيف..
القتال الذي يدور بين المليشيات التابعة للصدر من جانب والقوات الامريكية والبريطانية من جانب آخر هو شكل آخر من أشكال الابادة التي يتعرض لها الشعب العراقي والتي تستوجب وضع حد لها..
غير ان صراع الاشقاء فيما بينهم هو اكثر ما يحز في النفس، فالآخرون، حتما ماضون يوما ما، لكن هؤلاء العراقيين هم الذين سيبقون في وطنهم وسيجدون ان من الصعب عليهم اصلاح ما تفسده هذه المعارك والاغتيالات.
وتبدو الحاجة ماسة للتوافق بين الجماعات العراقية اليوم قبل غدا، اذ لا بد من ان تكون هناك بداية، ولا ينبغي ان يرتبط الامر بزوال الاحتلال حتى يتفاهم العراقيون بينهم، بل ان اتفاقهم هو ادعى للتعجيل بزوال الاحتلال الذي سيرى انه امام شعب متراص متحد ومنسجم لا سبيل الى البقاء معه..
ان اجندة القوات الاجنبية ترتبط باستراتيجيات كبرى تتجاوز مجرد العراق الى المنطقة ككل مع وجود العراق كحلقة في هذه الاستراتيجية، وحسب المعطيات الحالية فإن الاستراتيجية الامريكية تأخذ بعين الاعتبار الوجود في منطقة توجد فيها مسبقا اسرائيل، ولهذا فان جزءا كبيرا من هذه الاستراتيجية يضع هذه الحقيقة نصب عينيه ويتعامل على اساسها، فاسرائيل تتقوى بالوجود الامريكي ومن ثم تشدد شروط التسوية وتزيد من حدة القمع ضد ابناء الشعب الفلسطيني وتتوسع في المستوطنات وهي مسنودة في كل ذلك بوجود عسكري هائل، وفي ذات الوقت فان الولايات المتحدة، وفقا لهذه الاستراتيجية لا تستغني عن اسرائيل كقوة اقليمية مساندة تستطيع انجاز بعض المهام في المحيط الاقليمي او داخل العراق، وهي مهام تعزز من الوجود الامريكي في العراق، فهناك علاقة عضوية بين القوتين بينما هناك علاقة زائلة بين الوجود الاجنبي واي قوة عراقية.. ولهذا فمن الصعب انتظار الاحتلال الى ان يزول، وعلى العراقيين الشروع فورا في تمتين الاواصر والتواصل فيما بينهم، والخطوة الاولى نحو ذلك تقول بضرورة اسقاط هذا النهج العنيف في التعاطي بينهم، فهم مهما اختلفت بهم المبادئ والمشارب يظلوا عراقيين في نهاية الامر، والعراقي من اي اتجاه او اي حزب يكون اقرب الى العراقي الآخر، تقارب لا يمكن مقارنته بذلك القائم بين العراقي والقوات الاجنبية، ولهذا يصبح من المهم ألا يستقوى احد في هذه الساحة بالاجنبي ضد شقيقه.
|